الجدلية الدائرة الآن، ان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «صناعة إيرانية»، وجزء من الجدلية الدائرة أيضا ان داعش صناعة استخباراتية أميركية، وهكذا ندور في فلك جدلية لا فكاك منها، فالسؤال غبي والإجابة أغبى بكثير.
****
داعش، أو تنظيم الدولة الإسلامية، نشأ بموجب وجود فكر قائم يدعم هذا التوجه، وبغض النظر عن الأيادي التي ساهمت في نشأته أو تربيته أو الاهتمام به و«تسمينه» وإظهاره الى السطح، تبقى لدينا حقيقة ثابتة لا تقبل جدلا، ان هذا الفكر ناشئ من صميم فكر تراثي موجود وقائم وحقيقي.
****
وبغض النظر ايضا عن وجود من يستفيد من خلق هذا التنظيم و«تسمينه» وتصديره إعلاميا والاهتمام به و«تفخيمه»، تبقى حقيقة واحدة ان هذا التنظيم ولد «فكريا» من رحم تفكير تراثي موجود وسائد، والمشكلة هنا لا تكمن في إلقاء اللوم على من نمى او كبر هذا التنظيم بل فيمن سمح لهذا الفكر ان يتصدر داخليا في أوساطنا.
****
فكر داعش أشبه بخلايا سرطانية نائمة في مجتمعاتنا الخليجية على الجهتين المتطرفتين بغض النظر عن المذهبية، وهو فكر يستمد قوته من قاعدة «عدم قبول الآخر»، واعتبار الآخر عدوا لنا بالضرورة.
****
فبغض النظر عن كوننا ننتمي لهذا المذهب أو ذاك نحن ـ في الغالب ـ لا نؤمن بحق الآخر في ممارسة عباداته كما يعتقد، بل لا نؤمن بحق «الآخر» الذي لا يشبهنا في العيش، بل ونعتبره مواطنا من الدرجة الثانية.
****
نحن لطالما رفعنا ـ وبمثالية ـ شعار «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية»، ولكن الحقيقة ان اختلاف الرأي مع «الآخر» يوجب اعتباره كائنا من الدرجة الثالثة، وهو تفكير يقود الى «حل» إيذائه أو قتله.
****
«داعش» نشأ وتمدد ليس بسبب الغرب او ايران او اي جهة كانت، بل نشأ وتمدد لأننا أصلا نشأنا على قاعدة عدم قبول الآخر، واعتبار من لا يشبهنا لونا او عقيدة او حتى لسانا شخصا ادنى مستوى، ولهذا خرجت النماذج «الداعشية» من الجهتين.
ولو كنا من كل الطوائف والملل في الوطن العربي محصنين فكريا ضد فكرة إنكار الآخر، لما خرج عربي واحد يؤيد داعش، بل لما نشأ «داعش» أصلا، بل الأهم لما نشأت القاعدة قبله، بل لما نشأ أي نوع من أنواع التطرف في أي بلد عربي او إسلامي.
****
العقلية التي تحكمنا للأسف هي التالي: اننا في المجالس العامة نقول أشياء مثالية ونروج لها، ولكن في مجالسنا الخاصة نقول العكس تماما، مشكلتنا «الازدواجية» نعلن شيئا ونضمر شيئا آخر، لكننا من الطرفين، نرفع راية مثالية التعايش وندفن تحت أرجلنا جمر الخلاف الحي، الذي ان عاجلا او آجلا سيحرقنا.
****
جمرة داعش وغير داعش لا تذكي نارها الخلافات بل العنصرية التي تسكننا جميعا، نعلن شيئا ونضمر شيئا آخر، ومتى ما قتلنا بداخلنا عنصريتنا تجاه كل من يخالفنا، سنقتل «داعش» وسيختفي «داعش» وغير «داعش»، سواء في العراق او الكويت او مصر او في اي مكان عربي إسلامي آخر.
****
ما لم يتغير نمط التفكير المجتمعي، ورؤيتنا المتوازنة لشركائنا في الوطن بغض النظر عن انتماءاتهم او أعراقهم او مذاهبهم فلن يتوقف مسلسل الجنون الذي يغطي سماء المنطقة.
[email protected]