لم لا تنجح الديموقراطية في البلاد العربية كما تنجح في بلاد «الفرنجة»؟ سؤال سهلة إجابته، فهي أسهل بكثير من التحليلات الفنية التي عادة ما يتفنن في إجرائها عشاق السياسة، وهي كالتالي:
لأن ديموقراطيتنا مقتبسة، وليست ناشئة بحسب حاجاتنا أو مقاس عقليتنا وثقافاتنا، والتي نبدو معها عندما نلبسها كطفل يرتدي حذاء جدّه، اعتقد أن أغلبكم شاهد طفله الصغير ذا العامين وهو يرتدي حذاءه، ويحاول السير به، تماما هذه الصورة الأقرب.
محاولات الديموقراطيات العربية في الغالب تشبه ذلك الطفل وهو يحاول السير بحذاء أكبر من مقاسه بعشرة مقاسات على الاقل، ليسير فيقع، يحاول السير فيترنح، بل انه قد يؤذي نفسه في محاولته انتعال حذاء أكبر منه بكثير، فإما أن يسقط على رأسه وهو ما يعرف علميا باسم «محاولة التقليد الأعمى»، فلا هو الذي سار بشكل صحيح، ولا هو الذي ملأ حجمه في الحذاء.
****
ديموقراطيتنا مستوردة، بالأصح مقتبسة، قمنا باقتباسها من الغرب، لذا جاءت نتيجتها معنا مثلما تأتي نتيجة فيلم عربي تم اقتباسه من السينما الأميركية، مهلهلا بسيناريو ركيك، وأداء تمثيلي مصطنع.
****
وكمثال، لا أكثر، عن اقتباسات السينما العربية من الافلام الاميركية فيلم «الامبراطور» للنجم الراحل أحمد زكي، والمقتبس حرفيا ونصيا من فيلم «الوجه ذو الندبة» للنجم آل باتشينو، وكل ما عليك هو أن تشاهد الفيلمين لتعرف الفرق بين الأصل، والنسخة المقلدة، فيلم آخر هو «امرأة جميلة» لجوليا روبرتس، والذي تم استنساخه اقتباسا من فيلمين عربيين الاول أسوأ من الثاني، وهما «الجينز» لجالا فهمي وفاروق الفيشاوي، و«خادمة ولكن» لإلهام شاهين، ولو أردت أن أعدد الافلام العربية التي تم اقتباسها من أفلام فرنسية وأميركية وإنجليزية لاستلزمني الأمر 4 صفحات من الجريدة وليس مجرد عمود، ولكن الفارق بين الاصل والمقلد، هو أن الاصل تحول الى أيقونة خالدة في ذاكرة السينما، والتقليد مجرد مزحة سينمائية سخيفة تجبرك على الضحك حتى ولو كانت أحداثها درامية.
وهذه تماما حال ديموقراطيتنا في البلدان العربية، حالة مستنسخة، بعيدة كل البعد عن «مقاساتنا» المجتمعية وإطارنا الفكري، ومع هذا نُصر على ممارستها رغم أنها لا تناسبنا ولا نحن نناسبها، ونحن هنا، وسط هذا كله، نتناسى أمرا مهما جدا، وهو أن الديموقراطية الاميركية لا تشبه الديموقراطية البريطانية، وكلتاهما لا تشبهان الديموقراطية الفرنسية، وبينما شعوب البلدان الثلاثة قاموا بتفصيل وتأصيل ديموقراطياتهم - رغم اختلافاتها - على مقاساتهم الفكرية والمجتمعية، نحن استوردنا واستنسخنا واقتبسنا ديموقراطية من الخارج، فلا نحن ناسبناها، ولا هي ناسبتنا.
[email protected]