ذعار الرشيدي
في شهر أكتوبر من العام 1990 إبان الاحتلال العراقي للكويت التحقت بالدفعة الثانية من المتطوعين، وتخرجت في نوفمبر مع 1200 متطوع آخر من جميع أطياف المجتمع الكويتي أغلبنا انضم إلى فرقة الإمداد والتموين ودخلنا البلاد في نهاية شهر فبراير بعد التحرير بأيام قلائل، ومنذ ذلك التاريخ حتى شهر سبتمبر من العام 1991 عملت متطوعا وبعدها عدت لعملي الأصلي في شركة البترول الوطنية.
في العام 1994 طلبت للتجنيد «أيام ما كان عندنا تجنيد» والتحقت بالدفعة 34، وانضممت للكتيبة الثانية وبالتحديد السرية الأولى بالفصيل الأول ومن ثم إلى فرقة فك وتركيب السلاح، وكنت أعمل على سلاحي إم 16 وسلاح إم 60، وبعد تخرجي نقلت «تعسفيا» إلى كتيبة المدرعات وتلقيت دورة على مدرعة برقان لمدة شهر، ثم وبواسطة من حماي «جد أولادي» انتقلت من معهد التدريب إلى فرع برمجة الميزانية التابع للجيوان، كإداري مهمتي تنحصر في تسجيل كتب الصادر والوارد للدبابات والمدرعات التي يتعاقد لشرائها الجيش الكويتي.
أنهيت التجنيد في العام 1996، وفي العام 1997 ولسوء حظي جاءت ضربة ثعلب الصحراء وتم استدعاء جميع المجندين الاحتياط «حسبالهم إحنا كوماندوز»، ونقلت مع 14 مجندا إلى منطقة الأبرق ضمن كتيبة قالوا لنا انها تعرف باسم القوة الضاربة، وكان جل ما يفعله أفراد «القوة الضاربة» التي كنت أحد أفرادها البواسل هو الأكل والنوم و«السوالف» و«هواش عشان نبطل قواطي جبن الرد كاو» كل صباح.
التجنيد كتجربة في الكويت ولا شك كانت فاشلة بكل المقاييس سواء على مستوى النظرية أو على مستوى التطبيق، وأعتقد أن الدفعات الثلاث التي تدرب أفرادها من المتطوعين في الدمام بين شهري سبتمبر ونوفمبر من العام 1990 إبان الاحتلال العراقي أفضل 10000 مرة من جميع دفعات التجنيد الـ 38 التي بدأت منذ العام 1978 وحتى العام 2000 عندما أوقف العمل بقانون التجنيد الإلزامي سيئ الذكر.
ومنذ ثلاث سنوات ونحن نسمع أن وزارة الدفاع ستعيد قانون التجنيد الإلزامي بعد تغيير عدد كبير من فقراته سواء في شكله أو مخرجاته وطريقته وأسلوبه، ولكن بقي جل ما سمعناه مجرد أحاديث عابرة ووعود وأماني تماما كأماني «عشاق المراهقة»، وقبل أيام التقيت شخصا مطلعا على ملف قانون التجنيد الجديد وأبلغني أن اللجنة المكلفة برسم شكل القانون الجديد وصياغة مواده والذي من المنتظر أن تعرضه الحكومة قريبا أجمعت على فشل قانون التجنيد الإلزامي السابق كونه أخذ بالكامل من قانون التجنيد لإحدى الدول العربية، وكأننا كنا بحاجة إلى 22 عاما حتى نعرف أن قانون تجنيدنا فاشل، 22 عاما من التجربة ولم يقتنع المسؤولون أن قانونهم يصرخ ومنذ سنته الأولى من ألم الفشل، «تكود» المئات وطورد الآلاف ومنع من السفر آلاف غيرهم في سبيل إجبارهم على التجنيد الإجباري، ودخل عشرات الآلاف بيضا وخرجوا أكثر بياضا مما دخلوا فيه، فكل ما كانوا يدربوننا عليه هو «المسير» و«وزنا» و«يمنا أنظر» و«الفحة» و«دق ركض من صباح الله خير» وبعدها نقضي ايامنا في الحراسات و6 أيام حجز عقوبة و15 يوما في النظارة و30 يوما حجز طوارئ.
المهم أن المصدر المطلع، أبعد الله عنه أعين المسؤولين، أبلغني أن اللجنة المكلفة توصلت إلى أن المواطن الكويتي يختلف اجتماعيا 180 درجة عن المواطن العربي الذي أخذت من دولته مواد التجنيد الإلزامي السابق، ورأت اللجنة وبحسب ما هو مكتوب في توصياتها على ذمة المصدر أن يتم الأخذ بالنموذجين الإسرائيلي والسويسري لأنهما التجربتان الأكثر مواءمة للكويت، طبعا صدمت لما أورده «المطلع» فحقيقة لا أعرف ما وجه الشبه بيننا وبين السويسريين وأعداء أمتنا الإسرائيليين، وعندما حاولت أن أجره إلى التفسير أكثر اكتفى بالقول «سيكون تجنيدا على الطريقة الإسرائيلية بنكهة سويسرية» مختتما حديثه قائلا «واللي يرحم والدينك بس لا تعم علينا».