ذعار الرشيدي
لا يكره الكويتيون جملا في الدنيا قدر كراهيتهم لثلاث جمل، الأولى جملة «إن الرصيد المتوافر في حسابك هو 10 دنانير» التي يستلذ ألما بالاستماع إليها كل الكويتيين والمقيمين أيام 21 و22 و23 و24 وحتى آخر الشهر عندما يشرعون ويهجمون هجمة رجل واحد على بدالات بنوكهم وفي وقت واحد بحثا عن «رائحة» الراتب ويستمرون في إدارة اسطوانتها مرة تلو الأخرى دون ملل وكأنهم آليون حتى ينزل الراتب، وأجزم بأن 50% من الموظفين في الكويت يحفظون تلك الجملة غيبا بل إنهم يحفظون حتى إعرابها النحوي فـ «إن» حرف ناسخ يفيد التوكيد و«الرصيد» اسم إن منصوب و«عشرة» خبر إن مرفوع و«دنانير» تمييز مجرور، مع كامل تحياتي لزملائي في قسم التصحيح بالجريدة.
أما الجملة الثانية فهي جملة «الرصيد غير كاف لإجراء المكالمة الرجاء إعادة تعبئة الرصيد حتى تتمكن من إتمام المكالمة» ولا حاجة لشرح أسباب كراهية الجميع لهذه الجملة فالكل يعرف السبب وخاصة السيدات اللاتي يذهب نصف ميزانيتهن وثلاثة أرباع ميزانية أزواجهن في سبيل عدم سماع هذه الجملة التي سرعان ما تعود إلى هواتفهن النقالة بعد ساعة «حكي فاضي».
طبعا «عيال الجخ» ليس لهم علاقة لا من قريب ولا من بعيد بهاتين الجملتين، أما «عيال الفقر» فيمتون لتلك الجملتين بصلة قرابة من الدرجة الأولى الممتازة.
أما الجملة الثالثة فهي تلك التي ترد على لسان الرد الآلي لجميع بدالات الوزارات والهيئات الحكومية في الكويت: «اضغط صفر لمأمور البدالة» وطبعا مأمور البدالة لن يرد ولو ضغطت الصفر عشرين ألف مرة ولن ينالك في نهاية محاولاتك اليائسة سوى ألم في سبابتك وطنين في أذنيك يستمر حتى صلاة العصر.
الثقافة الاستهلاكية هي سبب الكراهية للجملتين الأولى والثانية وكل من سمعهما لابد أن يكون مسؤولا عنهما بطريقة أو بأخرى، فإما أن يكون شخص «طرق المعاش» للأولى أو يكون شخصا «قرقة» بالنسبة للثانية، أما الجملة الثالثة فلا مسؤول عنها سوى الحكومة، وهي الجملة التي تغني عن مئات الدراسات وعشرات اللجان التي تبحث عن أسباب تردي الإدارة في الجهات الحكومية لتثبت أن الإدارة في الكويت ليست أكثر من حبر على ورق ونظريات لم تطبق يوما.
هذه الجملة تثبت أن الواسطة فوق جميع القوانين والقرارات الوزارية فإذا أردت أن تعيش موظفا بدرجة ملك فاطلب نقلك إلى بدالة أي جهة حكومية و«أقص إيدي إذا داومت» ولن ينقلك إلى «مملكة البدالات الحكومية» سوى عضو مجلس أمة «قوي».