الحكايات ثلاث.
حكاية تروى وتكتب.
وحكاية تروى ولا تكتب.
وحكاية لا تروى ولا تكتب.
...
الحكايات السياسية في الكويت أغلبها من النوع الثاني «تروى ولا تكتب»، لذا أغلب تاريخنا السياسي حتى القريب جدا منه غير مدوّن بشكل علمي محقق، رهين النقل الشفهي، غير مكتوب، بل إنه لا يقبل الكتابة وكأن حبره حرام على الأوراق. تتناقله الألسن ولا يجد طريقه للتدوين، ليبقى حبيس التأويلات وتبقى كل حكاية سياسية متغيرة فكل يرويها من حيث يقف ويرى ويعتقد، عامة التاريخ العربي المكتوب بأكمله كتب من حيث كان يرى مؤلفوه، لذا التاريخ السياسي الكويتي ليس ببعيد عن معادلة الأهواء والانتماءات، طبعا ومع غياب الشفافية في كثير من الأحداث السياسية تولد التأويلات، فيمكن أن تسمع الحدث السياسي ذاته من خمسة أشخاص كل سيرويها لك بشكل مختلف.
بل حتى الأحداث الأخيرة وفي غياب عنصر الشفافية قابلة للتأويل وكل طرف سيلوي أعناق الحقائق لصالحه، وهو أمر تعايشنا معه منذ زمن بعيد وأصبح جزءا من ثقافتنا في نقل الأحداث السياسية في الكويت.
حتى التحليل السياسي للأحداث خاضع لتضارب الأقوال وتباين الروايات حول كل حدث، لذا أغلب التحليلات السياسية تأتي ناقصة أو مشوهة رغم المحاولات للمحللين السياسيين المحليين لطرح رؤيتهم حول هذه القضية أو تلك. إذن كيف يمكن أن تخرج بنتيجة تحليلية لأي حدث سياسي أو على الأقل مقاربة للمنطق السليم؟، الأمر جدا سهل، أولا عليك أن تخرج من دائرة الاصطفافات السياسية والتحزب والهوى السياسي الذي لوث عقول كثير من المتابعين، ومن ثم تقوم بنزع كل تمجيد أو مبالغة في نقل الحدث من أي طرف كان، وأن تتحول من لاعب في القضية أيا كان رأيك حولها إلى متفرج درجة ثالثة، عندها ستجد أن ترى الصورة أقرب إلى الواقع، حاول ألا تكون مع أحد أو ضد أحد، حاول فقط أن تفهم، أقصد أن تكون غايتك محاولة للفهم لا أكثر وليس الانتصار لأي طرف متورط في الحدث، الأهم أن تنتزع العاطفة من داخلك وتقوم بتغليب حكم عقلك لديك، وألا تحاول أبدا أن تطوع الحقائق للنتيجة التي تريدها أو ترغب بها، عندها ستخرج بنتيجة منطقية لتحليلك وستكون أقرب إلى الواقع من أي أحد آخر.
نحن عامة شعب يتعامل مع السياسة بعاطفة كبيرة جدا، وأغلبنا لا يشبه سوى جمهور أفلام الدرجة الثالثة الهندية الذين يصفقون ويهللون لبطل خرج من تحت الركام على شاشة السينما وبدأ يصرخ ويهتف للبطل الذي لن يسمعهم ولن يعرف أيا منهم ولن يتغير شيئا من سيناريو الفيلم المعروض أمامهم سواء صرخوا أو صمتوا أو حتى أشغلهم الفشارعن متابعة بقية أحداث الفيلم، فالسيناريو سيتم كما كتبه المؤلف والسيناريست وسيخرج البطل منتصرا أو يموت سواء صرخت أم ولولت أو حتى «يببت»، لذا الأصوات «المعارضة» و«الحكومية» عرضة لأهواء عاطفتهم السياسية التي تمليها عليهم معادلات اصطفافهم ومصالح «ربعهم».
في حقيقة السياسة لا يوجد أبطال ولا يوجد أشرار أيضا، فكل ما هنالك قضية جمهور متعصب لهذا الحزب أو ذاك التيار أو ذاك التوجه، إن أحبوك سيجعلون منك بطلا، واما إن كرهوك فسيحيلونك إلى بطل فيلم هندي «نذل».
لا توجد لدينا ثقافة النقد السياسي بشكلها السليم والمنطقي، بل نفتقد تماما إلى ثقافة النقد بكل عام وليس بالسياسة فقط بل في الأدب والفن والمسرح، ومع غياب النقد المتجرد تغيب الحقيقة، وينتج لدينا أبطالا من ورق وحكايات خيالية سياسية لا تنتهي.
طبعا هذا كله مع غياب الشفافية، والتي بغيابها يمكن أن تصبح الحقيقة كذبة وتتحول الأكذوبة إلى حقيقة.
توضيح الواضح: إذا أردت أن ترى حقيقة ما يجري حولك اليوم فانظر بعقلك لا بقلبك.
توضيح الأوضح: تصور لنا الثقافة العامة التاريخ شيخا طاعنا في السن يحمل كتابا ضخما وريشة، ولو كان شيخ التاريخ هذا يعيش بيننا في الكويت.. لهاجر منذ عقدين ولوجدناه اليوم يعمل معلم فلافل في نيويورك..
[email protected]