ذعار الرشيدي
لا أزال أتذكر يوم 17 مايو 1999، عندما صحوت مبكرا «على غير العادة» وتناولت مجموعة الصحف التي يلقيها والدي في الصالة بعد أن ينتهي من قراءتها لأجد «مانشيتا» عريضا لإحدى الصحف على لسان وكيل إحدى الوزارات، ولم يكن الغريب تصريح الوكيل «الطيب الحبوب» بل مضمون تصريحه الذي نقله نصا عن تحقيق صحافي كنت قد أجريته في يوم 13 مايو عن وزارته، والغريب أن تصريحه هو ذاته مانشيت التحقيق الذي نشرته في الزميلة «القبس» حيث كنت أعمل، ووجدت أن كل ما ورد على لسان الوكيل في الموضوع الذي نشرته الصحيفة الأخرى التي أفردت له نصف صفحة هو تماما ما أوردته في تحقيق سواء من أرقام أو إحصائيات أو حتى الأسماء، في البداية تحولت الغرابة التي انتابتني إلى حالة من الغضب، وقمت بالاتصال بالزميل الذي يغطي أخبار الوزارة التي «يكلها» الوكيل السارق وطلبت منه رقم هاتفه واتصلت به وبدأت حديثي بعد أن لجمت غضبي بأدب جم قائلا «يا سعادة الوكيل لو اللي «بابقني» شاعر أو كاتب چان هانت بس وكيل وزارة صعبة شوي» وما ورد بتصريحك اليوم سبق أن كتبته في تحقيق لي قبل 4 أيام من تصريحك، وجميع ما ورد من إحصائيات وأرقام هو نتاج جهدي الذاتي وبحثي الميداني الخاص ولم تكن وزارتك تعلم عن هذه الإحصائيات ولا الأرقام شيئا لولا أنني قمت بـ «واجبي المنزلي» كصحافي. وبرحابة صدر أوسع من مطار فرانكفورت استقبل مكالمتي وعاصفة غضبي الهادئة وأسمعني من طرف لسانه حلاوة «وشاكليتا» وفي نهاية المكاملة لم أخذ منه حقا ولا باطلا، وهي عادة متأصلة 90% من قياديي الحكومة عندما تواجههم بأي اتهام أيا كان حجمه. وانتهت مكالمتي إلى لا شيء، وبعدها ورغبة مني في الانتقام بدأت أبحث عن كل ما وراء الوكيل وعلى مدى 3 أشهر لم أترك مناقصة ولا تصريحا ولا نقلا إداريا أو وزاريا وقّعه الوكيل أو حتى أمر به شفهيا إلا وكشفت مدى استفادة الوكيل منه ماديا وسياسيا، ورغم أنني كنت مدفوعا برغبة الانتقام وكشفت عن وزارته ما لم يكشف سابقا إلا انه بقي في منصبه ورغم أن بعض ما نشرته عنه كان يدينه قانونيا إلا أن شيئا لم يتغير، كتبت عنه وعن وزارته حتى ملّ مني «الكي بورد» ولم يصدر قرار واحد، وبقي في منصبه حتى وافاه أجل «التقاعد». منذ ذلك اليوم اكتشفت أنه مهما كتبت الصحافة ومهما كشفت ومهما فضحت من تجاوزات لمسؤولين وقياديين تبقى هناك حسابات أخرى تمتد من علاقة القيادي بالمتنفذين وبأعضاء مجلس الأمة وبالكتل السياسية واتباعه سياسة «العصا» و«الجزرة» و«النقل» و«الندب» و«تمرير الصفقات».
والمحصلة هي أنه يمكنك إسقاط وزير بخبر صغير لا يتعدى حجمه 50 كلمة فقط شرط ألا يكون مدعوما، ويستحيل عليك تحريك «شعرة في جنب» رئيس قسم مدعوم.
[email protected]