توطئة: عندما تعرض سيارة قديمة مستعملة هرمة «قرمبع» للبيع ستجد العشرات وربما المئات من سيخوضون غمار مزادها بغرض شرائها سواء كان شخصا مهتما بقيمة السيارة أو حتى شخصا جاء للفرجة و«الطماشة» أو شخصا جذبه اليها رخص ثمنها، فرخص ثمنها يفرض بل يجذب أعداد المزايدين عليها كذباب على حلوى مكشوفة، ولكن عندما تعرض الماسة حرة نادرة للبيع فلن تجد سوى بضعة أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة يأتون للمزايدة عليها ومثلهم أو أقل يحضرون للفرجة اهتماما بهذه القطعة النادرة ولمتابعة لمن تؤول أو من سيملكها، وبين الحالتين فإن زيادة عدد المزايدين أو قلتهم لأي من السلعتين لا يرفع من سعر السيارة «القرمبع» ولا يقلل من سعر الألماسة الحرة النادرة، فتبقى «القرمبع» قرمبع مع زيادة المتابعين والمزايدين عليها وتبقى الألماسة ألماسة مع قلة المتابعين والمزايدين.
***
تابعت عبر اليوتيوب كلمة رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون في ندوة جمعية المحامين التي عقدت في الخامس عشر من الشهر الجاري ووجدت ان عدد مشاهداتها لم يتجاوز الـ ١١٢ مشاهدة على العملاق اليوتيوب رغم ان ما قاله السعدون في تلك الندوة وعلى مدار ساعة كاملة يهم كل بيت كويتي بل يهم كل مواطن كويتي منفردا، واستغربت كيف للصندوق الاسود السياسي الكويتي احمد السعدون ان يفتح فمه ويتحدث بكلام خطير حدا على جميع الاصعدة ولا يهتم سوى ١٢٢ شخصا فقط شاهدوا الفيديو، وهو الفيديو الذي لخص فيه احمد السعدون الحالة الكويتية السياسية بأكملها من ألفها إلى يائها، واختصر مشكلة نعيشها منذ ٤٥ عاما في اقل من ٦٠ دقيقة، وفصل فيها بل شرح - بتشديد الراء- مشكلتنا السياسية المزمنة بدءا من أزمة الصراع السياسي على النفوذ مرورا بالإسكان والصحة وانتهاء بمشكلة الرياضة والإيقاف الذي هو حديث العامة الآن مع الاستجواب الثلاثي.
***
أحمد السعدون اختصر كل منهج الأزمة السياسية الكويتية بـ «برشامة» واحدة ولكن وعلى الرغم من هذا لم يهتم سوى ١١٢ شخصا بمتابعة ومطالعة الفيديو الكامل لكلمته.
***
كما قلت أحمد السعدون هو الصندوق الاسود للحالة السياسية العامة للبدل منذ الستينيات وان حكى هذا الرجل فعلى الجميع الإنصات لما يقوله، ولكن للأسف هذا لم يحصل ومقطع الفيديو الخاص به لم يشاهده سوى قلة القلة، على الرغم من ان فاشينيستا تتحدث عن أمور تافهة كأن تتحدث عن الكونتور وخطوطه أو عن مطعم ياباني جديد يقدم الآيس كريم المغلي قد تنال اكثر من ٢٠ ألف مشاهدة وإعجاب في اقل من ٢٤ ساعة.
***
هنا المشكلة، والمشكلة ليست مشكلة أحمد السعدون، بل مشكلة عقلية مجتمع، فيديو كونتور فاشينيستا تافهة ينال ٢٠ و٣٠ ألف متابعة وإعجاب من ذات المجتمع، وشخص محنك سياسي ومختص يلخص لك مشكلتك ومشكلة بلدك بل يطرح الحلول التي ستضمن لك ولأبنائك مستقبلا افضل لا يجد الفيديو الخاص به اكثر من ١١٢ مشاهدة من بين مجتمع «يتحلطم» ليلا ونهارا عن وجود فساد وعن ضرورة محاربة الفساد والنهوض بالبلد.
***
لو ان هذا المجتمع تابع خطاب السعدون كما يتابع مهابيل السوشيال ميديا ولو من باب الفضول لكنا افضل حالا، السعدون كما ذكرت وأكرر وأعيد قام بتلخيص مشكلة الحالة الكويتية وقدم الحلول بل كشف الخافي من الأمور وقدمها على طبق من ذهب.
***
أحمد السعدون يقول في تلك الندوة: كيف لمن يدعي الدفاع عن الحريات أن يقوم برفع قضايا على مغردين أو منتقدين له؟ معتبرا السعدون ان ما يطرح في وسائل الاعلام ووسائل التواصل رأي لا يجوز الحجر عليه او ملاحقة صاحبه، السعدون قال ذلك وهو لم يقم برفع قضية ضد أي كاتب أو مغرد أو وسيلة إعلامية منذ خوضه العمل السياسي.
***
اذا أردت ان تعرف عما أتحدث فقم بالدخول الى اليوتيوب وابحث عن «احمد السعدون ندوة جمعية المحامين»، هناك تكمن الحقيقة وهناك يكمن التلخيص السياسي للحالة العامة الكويتية اليوم وأمس بل غدا أيضا.
***
من خلال تلك الكلمة ستجد مثلا وذلك على سبيل المثال لا الحصر ان الاستجواب الأخير لوزير الاعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب ليس استجوابا مستحقا بل ليس من الأولويات وان أبعاده سياسية بالدرجة الاولى وليس استجوابا هدفه الرقابة الشعبية ولا حل المشكلة بل انه جزء من صراع أطراف سياسية نافذة مستمر منذ ٢٠ عاما.
[email protected]