أما وقد ترجل الشيخ سلمان الحمود عن صهوة حقيبتي الإعلام والشباب فاعتقد أنه آن الأوان لطرح بعض من مآثر الرجل وأدائه في الوزارتين بما يتسق بالنسبة لي على الأقل بما كونه ليس مديحا بوزير قائم بمهامه، ويرفع عني - أدبيا - حرج تهمة كيل المديح على باب الوالي، والتي ليس الشيخ الحمود بحاجتها الآن ولا أنا بالمستفيد منها لشخص عاد مثلي مواطنا بعد ان كان يقف على قمة هرم الإعلام الكويتي بالنسبة لي كصحافي.
الشيخ سلمان الحمود تسلم تركة ثقيلة جدا اسمها وزارة الإعلام وظل لنحو اربع سنوات كاملة يحاول تعديل الاعوجاجات التي كانت تعاني منها تلك التركة الثقيلة بعد تسميته وزيرا أصيلا لها، وتمكن خلال تلك الفترة القصيرة نسبيا من ان يحيل تلفزيون الكويت المتخلف جدا بين اقرانه من تلفزيونات وفضائيات المنطقة من تلفزيون منسي الى تلفزيون منافس بل ويحقق ارقاما مشاهدات عالية مقارنة بالتلفزيونات الخاصة والإقليمية المحيطة به، واستطاع ان يجعل القناة الاولى من قناة لا يشاهدها سوى «نفرين» الى قناة عائلية حقيقية يطلبها الناس في ريسيفراتهم، وأن يطور التلفزيون والإذاعة الى درجة تفوق بها تلفزيون الكويت والإذاعة الكويتية بكل تردداتها معا على القنوات الخاصة التلفزيونية والإذاعية على حد سواء، وذلك بعد ان نفض عنها غبار البيروقراطية وأحالها من مؤسسات حكومية تقليدية الى مؤسسات منافسة في فضاء لا يعرف سوى لغة الأرقام دليلا للنجاح.
تلفزيون الكويت قبل العام 2012 ليس هو تلفزيون الكويت اليوم بكل شيء في قنواته وبرامجه واستوديوهاته، حتى ان الرجل استحضر ما فعله الراحل الشيخ جابر العلي للتلفزيون الكويتي قبل 40 عاما وأعاد تطبيقه وزاد عليه وفتح الأبواب للمبدعين وأخرج الإعلام من دائرة البيروقراطية المميتة الى دائرة الإبداع الحية ففتح الباب للبرامج الشبابية والحية والمناسبة للمجتمع وخلق جوا اعلاميا تلفزيونيا جديدا معه ولد تلفزيون الكويت من جديد، كذلك فعل مع الإذاعة والتي معها أصبحت القنوات التلفزيونية وكذلك المحطات الإذاعية الحكومية منافسة للقنوات التلفزيونية والإذاعية الخاصة والدليل انه في عهد الشيخ الحمود انتهت سطوة القنوات الخاصة وأصبحت الغلبة للقنوات الحكومية تلفزيونيا وإذاعيا كذلك وبشكل مستحق، بعد أن كانت القنوات الخاصة سيدة المشهد الإعلامي لسنوات قبل قدومه وتوليه حقيبة الإعلام.
رجل حقق المستحيل وقلب المعادلة بقراراته وبتحفيزه للعنصر الشبابي الكويتي وفتح طاقات الإبداع على مصراعيها، ونقل مثلا القناة الاولى من قناة ميتة إكلينيكيا الى قناة تنبض بالحياة بل وتنافس حتى القنوات الإقليمية خاصة في موسم الذروة في شهر رمضان.
منذ العام 1992 ولغاية 2012 والتلفزيون الكويتي فقد ريادته حتى في رمضان، عشرون عاما ونحن بعيدون اعلاميا حتى عن اقرب الدرجات تنافسا ثم يأتي الشيخ الحمود ويحيل القناة الخاسرة إبداعيا الى قناة منافسة وفي اقل من عامين على توليه حقيبة الإعلام، ولا يجب ان نستغرب ذلك فهو ذات الشخص الذي أحال رياضة الرماية من رياضة فردية منسية شعبيا الى رياضة تنافس في جماهيريتها لدينا ككويتيين كرة القدم وحقق ابطالها ألقابا عالمية وآخرها في أولمبياد ريو 2016 فأصبحنا نعرف عبدالله الطرقي وفهيد الديحاني كما نعرف نجوم كرة القدم، فكانت عقليته الإدارية هي المحرك لتحول وزارة الإعلام من راعية لقنوات وإذاعات حكومية تقليدية الى قنوات تمتلك عنصر المنافسة.
سياسيا لا يعنيني الأمر كثيرا، فيما آلت اليه الأمور من خروج الرجل باستقالة سببها استجواب سياسي بالدرجة الاولى بغض النظر عن استحقاقه ام لا، ولكن ووفق رأيي وقناعاتي فإن الشيخ سلمان الحمود هو الوزير الوحيد الذي دخل وزارة مترهلة إبداعيا وخلق منها مشروعا منتجا تنافسيا حقيقيا لم يستطع ان يفعله اي وزير اعلام قبله منذ 35 عاما، وبالمناسبة فوزير الإعلام الجديد الشيخ محمد العبدالله ورث تركة جميلة وسهلة ومريحة، وليست تركة ثقيلة كما هو الحال مع بقية وزارات الدولة.
اما في وزارة الدولة لشؤون الشباب فقد أنشأها الوزير الحمود من الصفر منذ استحداثها وتوليته عليها كأول وزير شباب في تاريخ الكويت، بهيكليتها وأدائها وعملها الذي يعلم الجميع خاصة من المختصين الدور الجبار الذي قامت به لمواجهة مؤسسات قديمة متأصلة يغلب عليها الترهل، وكيف انه نجح في تحويل تلك الوزارة الناشئة الى وزارة تقود المشهد الرياضي بالكامل.
خروج الشيخ سلمان الحمود يعتبر خسارة كبيرة على الحكومة، وليس العكس، فعقليته الإدارية والإبداعية والاهم السياسية استطاعت ان تحيل الأجهزة الحكومية من اجهزة خاسرة متخلفة الى اجهزة منافسة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى او على الأقل اجهزة لا تخسر.
وزير يعمل بكفاءة على جميع الأصعدة سياسيا وفنيا وقانونيا وجماهيريا ثم تتخلى عنه الحكومة وتخذله امام استجواب بسيط المحاور وان كان مستحقا، فأنت هنا امام حكومة يبدو انها ترفض وزراء الـ 8 سلندر ممن يعملون وفق رؤية تطوير البلد وعلى كل الأصعدة، وتعلن الحكومة انها تفضل الوزراء التنفيذيين ممن يؤدون العمل بأبسط المهام وأقل النتائج.
[email protected]