ما عرف باسم قضية النواب «القبيضة» كانت القشة التي قصمت ظهر حكومة ٢٠١١ وأدت الى حل مجلس وحكومتي ٢٠٠٩، وكانت قضية مستحقة يومها بعد أن كشفت - بتعمد - ملفات نواب تضخمت حساباتهم وكشفت معها دور المال السياسي وأثره على المشهد السياسي، وتبعها الغضب الشعبي المتنامي الذي اشتعل حتى وصل الى حد حل المجلسين الوزاري والأمة لنزع فتيل أزمة الغضب الشعبية ومعها الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة وحكومة جديدة ورئيس جديد للحكومة.
هذا ما حصل في العام ٢٠١١، واليوم يعود الحديث عن ملف «القبيضة» فهل سيكون لفتح الملفات ذات التأثير، أو ذات الأثر؟! هذا هو السؤال الذي يطرحه البعض، وفي الحقيقة فإن هذا الملف شبع تناولا وبحثا وطرحا على كل الأصعدة سواء كان إعلاميا او سياسيا او شعبيا والجميع اليوم يعلم ما فوق وتحت حجر هذه القضية، ولم يعد الأمر مفاجئا ولا صادما في هذه القضية ولا من اتهم بها، وأصبحت حديثا مشاعا دارجا بل واعتياديا، لذا فتح هذا الملف مجددا لا يعدو كونه مجرد اجترار كلامي في قضية قديمة، طرحها لا يقدم ولا يؤخر، ولو أثيرت أو كشفت أو تم استخدامها سياسيا فلن تقدم أو تؤخر شيئا في واقعنا السياسي سواء في الأمس أو اليوم أو غدا، فالمال السياسي بعد القضية التي أثيرت عام ٢٠١١ أصبح حديثا مشاعا وليس بالسر الذي إذا ما كشف فستنهار بسببه حكومة ومجلس، وأقصى ما يمكن أن يؤدي أمر إثارة هذا الملف هو تشكيل لجنة برلمانية لبحث الأمر وبحث التعديلات القانونية لتعديل الاعوجاج السياسي الحاصل في استخدام المال السياسي، فإثارة القضية لن تعيد الحراك المعارض ولن تعيد ولا حتى ربع مسيرة مما كان يعرف بمسيرات كرامة وطن ولن تحرك شعرة واحدة في وجه الشارع وسيبقى الوضع على ما هو عليه، ولن يتغير شيء، سواء أثيرت القضية أم لم تثر، فقد أصبحت وفي ظل عدم وجود قانون منظم أو مراقب للمال السياسي فالكل سيظلون أبرياء، بل انهم أبرياء قانونيا حتى وإن كانوا ليسوا أبرياء أخلاقيا أو منطقيا.
فقبل أن تقدم قضية كشف أسماء القبيضة، عليك أن تقدم مشروع قانون يمنع تنامي ظاهرة القبيضة والمال السياسي، وأن تحرص على ان يتم تمرير هذا المشروع ليكون قانونا يمكن النيابة العامة من أن تؤدي عملها لمواجهة القبيضة بما يليق بهم من تهم تدينهم وفق صريح القانون.
المطلوب ببساطة مشروع قانون يحدد لكل مسؤول في الدولة وفق قاعدة «من أين لك هذا؟!» ومحاسبته وفق ذلك القانون، أما وأن ذلك القانون لم يتقدم به احد أو حتى يتقدم بقانون شبيه له كقانون «الكسب غير المشروع» فالحديث عن النواب القبيضة هو أشبه بالحديث عن الخل والعنقاء والخل الوفي، أي انه حديث مستحيل على أرض يستحيل تطبيقه عليها، فلا أحد يتحدث عن القبيضة ولا عن الكسب غير المشروع ما لم يمتلك على الأقل مشروعا بقانون يجرم هذا الفعل ويجعل من يتجاوزونه تحت طائلة القانون ومسطرة المساءلة، عدا ذلك فلا يعدو الأمر كونه مجرد حديث أحلام سياسية، اعتقد واضحة الفكرة يا نواب الأمة.
[email protected]