لا يوجد داع شعبي ولا منطق سياسي ولا ضرورة دستورية ملحة من أي نوع لتكون المادة 79 هدفا للتغيير، لذا أي محاولة أو تلويح لإضافة جملة «بما لا يخالف الشريعة الإسلامية» هي مناورة سياسية ولا يمكن أن تكون أكثر من هذا، أولا لكون من تقدم أو أيد إضافة تلك الجملة يعلم أنها لن تمر لا في المجلس ولا عبر مجلس الوزراء ولا حتى ستتم المصادقة عليها، وإثارتها الآن بالذات يعني أننا أمام مناورة سياسية أخرى، وهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، ومن غير تشكيك بنوايا أحد هنا، ومع كامل الاحترام لمن قدم أو أيد إضافة الجملة، إلا أن التفسير السياسي العلمي الوحيد لمحاولة كتلك هو خلق صراع من لا شيء، أو خلق بؤرة خلاف سياسية من العدم، وهذا جزء من فن المناورات السياسية التي تقوم بها الكتل السياسية، وغالبا ما تلجأ لها الكتل السياسية الأقل تمثيلا في البرلمان من اجل زيادة مساحة حضورها على رقعة المشهد السياسي، وهو بالمناسبة أمر مشروع وجائز وتفعله اغلب الكتل السياسية الأقل تمثيلا في كل البرلمانات، وطبعا الأهداف الأخرى لمناورة كتلك عدا الهدف الذي ذكرته تحتمل أيضا هدف إحراج الحكومة أو نواب الحكومة على وجه الخصوص في طرح تعديل سياسي أو دستوري أو قانوني بصبغة دينية أو شعبوية، رفضه يبدو للعامة مضادا للرغبة الشعبية - وهو ليس كذلك - ولكنه يظهر للعامة كذلك، وهذا التفسير الوحيد والمنطقي لدفع بعض النواب للتعديل المفترض للمادة 79 ولا شيء آخر.
قبلها، أعني قبل 25 عاما، كان الحديث الطويل الشائك عن تعديل المادة الثانية من الدستور وهو حديث عاد مجددا في المجلس المبطل الأول، والهدف من طرح مقترحات بتعديلات كهذه هو خلق حالة من الإحراج للحكومة من أنها ضد الرغبة «الشعبوية» أو «الدينية»، وهي حركة سياسية لا أكثر أو كما قلت مناورة سياسية وأوضحت هدفها الأبرز ولم يتم الدفع به بين فترة وأخرى.
الأمر ليس بأكثر من مناورة سياسية، ولكن مثل هذا النوع من المناورات في المطالبات المستحيلة أو غير الممكنة التطبيق أصبح مكشوفا جدا، ولا أعتقد أن أحدا يجب أن ينشغل به من أي طرف كان، وإن كنت أرى في المطالبة الأخيرة أنها نوع من إبراء الذمة الدينية، وكما قلت لا أشكك أبدا بأصحاب المقترح ولا مؤيديه، ولكن اعتقد، وهو اعتقاد أظن انه يتملكهم، أن هنالك استحقاقات شعبية وليست شعبوية أخرى أهم من تقديم مقترح بتعديل أي من مواد الدستور، فليس الوقت موائما، فهناك استحقاقات أهم بكثير ومنها على سبيل المثال فتح باب ما يعرف بقضية الإيداعات المليونية ووجوب إدخال قانون يجرم هذا الفعل أيا كانت جهة فعله، أو القضية التعليمية التي بسبب تدهورها أصبحت الكويت في مراتب متأخرة عالمية ونشأ جيل كامل خلال العقد الأخير يعاني من أمية تعليمية خطيرة جدا، ولدينا استحقاقات في البلد اهم من إضافة أو إلغاء جملة من أي مادة من مواد الدستور، قضية الجنسية أيضا قضية اكثر خطورة من مجرد جملة قد لا تقدم أو تؤخر كثيرا من واقعنا.
[email protected]