كل من ينادي بالإصلاح هذه الأيام، أجزم بل وأبصم «مغمض» بالعشرة أنه لم يشعر بالتغير الجذري الكبير الذي حصل في البلد، بل جميع من ينادي بالإصلاح هم أسرى لبروج عاجية شيدوها من عروش تصريحات نارية، وإن الصراخ على قدر الألم فصراخهم أشبه بصراخ طفل كاد أن يقع.
البلد وخلال السنوات العشر الأخيرة تغيرت تغيرا جذريا لم يشعر به المنادون بالإصلاح وحملة رايته، لا الليبراليون ولا «الملالوة» ولا الحكومة «غير معروفة المذهب» ولا الحكوميون التابعون لها أحسوا بالتغيير الذي شهدته البلد في السنوات الأخيرة.
ولا أتحدث عن تغييرات المشهد السياسي، فالمشهد السياسي في بلادنا ليس بأكثر من حبكة درامية لمسرحية من فصل واحد فهناك الأشرار وهناك الأخيار وحوار دائر على شكل سجال سياسي بلغت به حد السماجة إلى أنه أصبح بحبكته لا يختلف عن حبكات المسلسلات المكسيكية المدبلجة، فهناك رجل أعمال وخادمة تتحول إلى عشيقة له ومجموعة نساء يكدن لبعضهن، وفي الحلقة الـ 115 يتضح أن لبطل المسلسل توأم شرير يقف وراء كل ما حصل في الحلقات الـ 114 الماضية وفي النهاية تفوز الخادمة بجائزة يانصيب وتتزوج من السائق الذي يتضح أنه كان يحبها حبا جما منذ الحلقة 66، أصبحنا نعرف كل شيء سلفا ونتنبأ بكل ما ستشهده الساحة السياسية غدا أو بعد غد تماما كأي مسلسل مكسيكي يسهل التنبؤ بأحداثه مع مفاجآت بسيطة لا تغير السياق العام.
التغيير الذي أتحدث عنه هو تغير عقليات الشباب، شباب المجمعات «الكول»، وليس شياب الديوانيات الذين يلتقون وينفض جمعهم وينامون ويستيقظون على ذات الحديث السياسي ولا يعرفون غيره، شباب الجيل الجديد الذي لا يعرف همومهم أحد ولم يرصد التغيرات التي طرأت على تفكيرهم الغض أحد، الجيل الجديد الذي كان عمر الواحد منهم 11 عاما إبان انتخابات 1999، هذا الجيل له نظرة مختلفة عن نظرة «الشياب» ومدمني السياسة ومتعاطيها، هموم الشياب أو الجيل القديم هي القروض والإسكان والبطالة وتنفيذ المشاريع التنموية والبحث عن مستشفى جديد في محافظتهم ومطاردة أخبار نواب مناطقهم والانتصار لقبائلهم وطوائفهم وعائلاتهم، وهي حكايات أكلت عليها السنوات العشر وشربت حتى امتلأت بطون متعاطيها بالخمول واليأس من المستقبل، فأصبحوا أسرى لحاضرهم بلا أدنى نظرة إلى المستقبل بعد أن حنت هموم البحث عن حاضر أفضل رؤوسهم بل وطأطأتها حتى أن الواحد منهم أصبح غير قادر على النظر إلى أبعد من أرنبة أنفه.
أما الجيل الجديد ولتسموه ما شئتم «الماك تشيكن» أو «التشيكن ناغيتس» وشباب «الشورت» هو جيل المستقبل الذي نسيه الجميع في خضم البحث عن حاضر ملأته الصراعات، حاضر سمته الانشقاق والتشكيك في الولاء والوطنية والتناحر بسبب كرسي جمعية تعاونية ينتهي عادة بالإحالة إلى النيابة العامة بتهمة الاختلاس.
الجيل الجديد انفصل آليا عن هموم الجيل القديم، فلم تترك له صراعات السنوات العشر أي مساحة للحلم، بل لم تترك له فرصة ليوقد شمعة أمل، فلا أمل في رياضة ولا أمل في إصلاح ولا أمل في تنمية ولا أمل في جامعة حكومية جديدة ولا أمل له في عمل، ولم يهتم أي من النواب المنشغلين بصراعاتهم بهذا الجيل الذي سيقول كلمته في الانتخابات القادمة.
التغيير الجذري الذي لم ينتبه له أحد هو الهوة الشاسعة بين جيلين، الأول انشغل بصراعات دون كيشوتية لم تشعل شمعة ولم تلعن ظلاما، والثاني لن أقول إنه لا يفهم بل إنه لم يمنح فرصة لفهم حقيقة الصراع الدائر منذ عشر سنوات.
هؤلاء الشباب القادمون إلى الانتخابات المقبلة بأصواتهم التي لن تقل بأي حال من الأحوال عن 60 ألف صوت تقريبا (عدد الناخبين الجدد كل 4 سنوات) هؤلاء الشباب أو الناخبون الجدد سيدخلون الانتخابات بعد عشر سنوات من الحرب السياسية الطاحنة ليقولوا كلمتهم في التغيير.
أعول كثيرا على هؤلاء الشباب أو الناخبين الجدد ليحملوا حتى ولو إهمالا مشعل التغيير في المشهد السياسي في الانتخابات القادمة، وأنهم هم الذين سيقومون بتغيير جميع هذه الوجوه التي نراها اليوم، ذلك في حال أكمل هذا المجلس 4 سنوات صلاحيته المقررة دستوريا.
لم أر نائبا واحدا اقترح شيئا لهذا الجيل الجديد الذين لم يدخلوا طابور الإسكان ولم ينضموا بعد إلى قطار البطالة ولم يقترضوا فهموم نوابنا لاتزال أسيرة للعام 1999 والبحث عن مكتسب شعبي آن وشعارهم «فليذهب المستقبل إلى الجحيم».
[email protected]