شكل العالم الافتراضي مع دخول الانترنت عالما موازيا لعالمنا الواقعي، ولكن مع دخول برامج التواصل الاجتماعي كتويتر وانستغرام وفيسبوك وسناب شات اندمج العالمان معا وأصبح ما يؤثر على الاول يؤثر على الثاني وسكانه والعكس، وتشكل عالم جديد كلية، عالم تتحرك فيه الاخبار وتتدفق فيه المعلومات بالثانية وتصل الى الجميع دون حدود او تنقية، فبعد ان كانت الصحف تنقل الاخبار كل ٢٤ ساعة، والراديو ينقلها كل ساعة، والفضائيات الإخبارية تبث المعلومات والأخبار كل ساعة والعاجلة منها تبثها كل عشر دقائق كحد أقصى جاءت وسائل التواصل لتنقل الاخبار دقيقة بدقيقة بل ثانية بثانية، فيأتي تدفق المعلومات والأخبار بمعدل أسرع وبكثير من المعدل الطبيعي لنقل الخبر، هذا التحول الجذري الذي شهدناه في السنوات الأخيرة، وللأسف ان هذا التحول الجذري لم تستطع الحكومة لدينا التعامل معه على الأقل بحجم تأثيره على المتلقين، فلا يكفي ان تتعامل كل الجهات الحكومية بلا استثناء مع وسائل التواصل الاجتماعي كوسائل اتصال مثلها مثل الهاتف والفاكس بل حتى الرسائل البريدية، وهذا خطأ كبير فتلك مثل تويتر وانستغرام وغيرهما هي منصات تواصل اجتماعية حيوية وحية التفاعل في نقل الرأي العام من حال الى حال وفي مدة زمنية قصيرة قد لا تتعدى الـ٢٤ ساعة.
اغلب الجهات الحكومية حتى الأمنية منها تتعامل مع وسائل التواصل بصفة أشخاص قد ترى انهم قانونا يسيئون استخدامها ولكنها في الحقيقة اكبر من هذا بكثير وأعظم، فهي تستطيع تغيير التفكير العام وتقلب العقل الجمعي لأي مجتمع من اليسار إلى اليمين.
تويتر ليس مجرد مغرد نقل خبرا أو إشاعة أو رأيا، بل منظومة متكاملة قد تتحول من هزة خبرية صغيرة الى سونامي رأي عام يقلب الطاولة في لحظات.
هناك جهات سياسية محلية وتيارات فاعلة تمكنت من ان تمسك بأطراف خيوط لعبة شبكات التواصل وطوعتها لخدمة بعض أهدافها، بينما الجهات الحكومية لاتزال تتعامل معها كما تتعامل مع منشورات دواوين الاثنين وهذا خطأ فادح، بدليل ان اغلب دوائر الاعلام في كل الجهات الحكومية ترى في تويتر وإخوته مجرد تلفون «فر».
حتى الآن للأسف الحكومة لم تستوعب بعد خطورة تغافلها عن حقيقة كون تويتر ومثيلاته من منصات التواصل الاجتماعي تستغل اليوم لتكوين رأي عام ظل مستترا تديره أحيانا جهات غير معروفة المصدر أو التمويل أو حتى التوجه.
تويتر ليس مجرد مساحة أخرى لطرح الآراء الحرة وكشف الفساد أو ظواهر مجتمعية تستحق المعالجة، بل هو شبكة معقدة تتدفق فيها الأخبار والمعلومات والإشاعات بمعدل يقاس بثوان، وبخطة عمل محكمة لأي جهة سياسية أيا كانت أهدافها يمكن ان تشكل جبهة رأي عام ضاغطة في أي قضية مهما كان حجمها.
الحكومة يجب ان تضع متغير تدفق المعلومات السريع الذي جاءت به منصات التواصل الاجتماعي في اعتبارها اذا ما أرادت ان تدخل عصر ثورة تكنولوجيا المعلومات الذي اصبح عدم التعامل معه بجدية خطرا كبيرا على الأمن العام.
انا هنا لا أتحدث عن شخص مغرد طرح رأيا فهذا من كامل حقه الدستوري أو مغرد كشف فسادا، بل أتحدث انه وفي ظل غياب الرؤية الحكومية عن فهم حقيقة ما يمكن ان يستغل به تويتر أو غيره من قبل جهات سياسية سواء كانت داخلية أو خارجية لتنفيذ أجندة يمكن أن تنجح 100% في ظل وجود ثغرة اسمها الفهم الحكومي القاصر لحقيقة عمل منصات التواصل الاجتماعي.
[email protected]