اسأل أي شخص معك في عملك أو صديق في الديوانية أو حتى في صالون أدبي عن سر الصراع في سورية أو العراق سيقول لك بلا تردد أنها حرب مذهبية، الغالبية ستجمع على أن ما يحدث حرب مذهبية بين طائفتين، وان كل القصة والحكاية والتحليلات السياسية يجب أن تنطلق من أن ما يحدث حرب بين سنة وشيعة، أو حرب بين السنة والشيعة، وسواء قمنا بتعريفهما بال للدلالة على الكل أو تخصيصهما بحذف ال التعريف، فالكل متفق بل انه ينطلق من هذا التعريف عندما يقوم بتحليل الوضع في سورية أو العراق.
****
شكليا ليس لأحد إلا أن يرى ما حدث في سورية ثورة ربيعية تحولت إلى صراع مسلح ثم إلى حرب مذهبية متعددة الأطراف، أما الواقع الذي تتبين ملامحه اليوم بل انه اتضح منذ أن تدخل الدب الروسي بكامل قوته أن المسألة جزء من حراك سياسي شامل تقوده قوى عظمى لتغيير خارطة الشرق الأوسط بشكل يتواءم مع احتياجاتها وتحركاتها السياسية في العالم أجمع.
****
وأما فعليا فالصراع المذهبي هو المشهد السينمائي الذي صرف أنظارنا - بغض النظر عن انتماءاتنا - عن الصورة الكبرى وهي أن تغييرات تقودها قوى عظمى تحاول بل انها تفعل لتغيير الخارطة السياسية لمنطقتنا، وكان قمة نصرهم أن انشغل الجميع بمذهبيتهم وتقوقعوا داخل طوائفهم وبدأوا يرمون بعضهم بعضا وولدت بينهم فتنة لم تولد منذ أيام المأمون، وأصبحت لغة التخوين سائدة بين أبناء البلد الواحد.
****
القصة ليست قصة مذهبية، لا في الخليج ولا في اليمن ولا في العراق أو سورية، هو مجرد صراع سياسي لا أكثر، وتصدعات سياسية تجري من حولنا وسواء برغبة منا أو بغير رغبة فستمر تلك التغيرات.
****
والصراع والتغير السياسي أمر طبيعي في حيوات الأمم والشعوب، ولكن ما من سبب يجعلنا نحيل تفسير ما يحدث في سورية تحديدا على انه صراع سني ـ شيعي، لأنه ليس كذلك، وان كانت كل المعطيات تدل على هذا وكل المؤشرات تؤكده، ولكنها دلائل ومؤشرات النظر في الدائرة الضيقة، لأنه إذا ما نزعنا عن أنفسنا النظارة الطائفية السوداء وابتعدنا قليلا فسنرى أن ما يحدث «معارك بالوكالة» بين طرفين يستخدمان أسوأ ما فينا وهو تعصبنا الذي جعلنا نعتقد بل نؤمن بأن ما يحصل حرب مقدسة وان على كل منا دعم فريقه وتأييده، لذا كان دعمنا من أي من الطرفين في جزء منه سببا في إذكاء الحرب وإطالة أمدها.
****
تاريخيا وبشيء من الإنصاف أغلب الحروب الكبرى أخذت في شكلها الخارجي شكلا عقائديا، أي حرب لا بد أن تأخذ شكلا عقائديا حتى يمكن أن يقتنع الناس بضرورتها والانخراط فيها وتأييدها، وما يحدث اليوم في العالم العربي جزء من هذا التفسير التاريخي البسيط الذي ربما يجهله أو لنقل يهمله الكثيرون عمدا بعد أن لبسوا نظاراتهم الطائفية.
[email protected]