[email protected]
يعاني ابني الصغير يوسف من حالة لغوية طريفة جدا، فعندما يستيقظ من النوم يتحدث بشكل معكوس لمدة خمس دقائق قبل أن يستيقظ بشكل كامل ويتمكن من مخارج حروف النطق لديه بشكل كامل، فمثلا يسألني: «أين أمك؟!» ويقصد طبعا بسؤاله: «أين أمي؟» أمه هو طبعا، ويسأل: «أين ملابسك؟» وهو يسألني عن ملابسه، كل هذه الأسئلة يطرحها حالما يستيقظ من النوم قبل ان يستوعب خطأ صياغته لأسئلته ويصحح مشكلة الضمائر المتصلة لديه ويبدأ بطرحها بشكل صحيح.
***
يوسف يعاني من مشكلة الضمائر المتصلة لمدة 5 إلى 10 دقائق قبل ان يستعيد قدرته الكلامية اللغوية بشكل جيد، في البلد لدينا مشكلة ضمائر ولكن على عكس يوسف الذي يستغرقه الأمر لحل مشكلته دقائق معدودة، فمشكلة الضمائر السياسية تستمر طوال فترة عمل السياسي، بل طوال فترة حياته كلها، وإلا هل يعقل أن لدينا هذا الكم الهائل من السياسيين وزراء ونواب ومسؤولين في جهات عدة ولم يقم واحد منهم بتأليف كتاب واحد يحكي فيه حقيقة الحقبة التي عمل بها في السياسة او عاصرها، ويرويها «بصحوة ضمير» بشيء من الحيادية والتجرد.
***
عشرات الساسة ولم يكتب احد منهم مذكراته او سيرته الذاتية التي يحدد فيها ملامح الفترة الزمنية التي عاشها وعمل فيها بتفاصيل حقيقية، لا اقصد هنا السير الذاتية «الخاصة» بل «التوثيقية» التي تكتب للتاريخ.
***
حتى ساسة السنوات القريبة عندما يظهرون في التلفزيون لا يروون كامل الحقيقة التي عاصروا أحداثها ولا يتحدثون عن كامل المشهد الذي كانوا جزءا منه، فقط إرضاء لضمائرهم أو حتى تبيانا لجزء من الحقيقة كما حدثت فعلا لا كما يريدوننا أن نعتقد.
***
يعني معقولة اكثر من 300 سياسي في المشاهد السابقة، بل ربما يصل عددهم إلى 500 ولا واحد «حكته ايده» لتأليف كتاب واحد يروي حقيقة ما حصل؟!
***
مما يبدو لي، بل هو الواقع أن الساسة لدينا منذ أن يخطو الخطوة الأولى حتى يتحولوا إلى صناديق أسرار مقفلة، لا تفتح أبدا، والسر هنا أن كلا منهم كان ولو لفترة شريكا في خطأ ما.
***
أعلم أن الكتب التي أتحدث عنها هنالك كتابان أو ثلاثة معتبرون ولكن أيا منها لا يأتي على ذكر الحقيقة الكاملة التي يبدو أن أحدا لا يريدها.
***
توضيح الواضح: اعلم أن أسرار البلد السياسية منتشرة بين العامة والغالبية يعرفونها ولكنها كحكايات الجدات لم يوثقها احد بالشكل العلمي الحقيقي.