أستغرب كثيرا ممن يطرح مقارنة بين «عراق صدام» و«عراق ما بعد صدام»، ويصور ان عراق صدام كان يحفل بالأمن والأمان مقارنة لعراق اليوم الغارق بالفوضى والدم والألم، والحقيقة ان العراقيين، عراق صدام وعراق ما بعد صدام، لا يختلفان عن بعضهما البعض من حيث مستوى الأمن والأمان، وان اي شخص يرى بأفضلية الاول على الثاني هو شخص إما ناقص عقل او انه شخص متطرف مذهبي.
ولنأخذ الصورة بين العراقين بشكل منطقي، فعراق صدام كان يعاني من نزيف داخلي غير مرئي في الأمن بين جميع الأفراد العراقيين سنة وشيعة وأكرادا وغيرهم، فأيام صدام انت لا تعلم متى يقبض عليك او لم او حتى متى تخرج من سجنك وربما تكون عقوبتك رصاصة في رأسك يدفع ثمنها ذووك، أما عراق اليوم فيعاني من نزيف خارجي مرئي ومنظور من دم وقتل وتفجير وحرب أهلية غير معلنة، وهنا فلا عراق صدام كان بخير ولا عراق اليوم بخير، فالأول نزيفه داخلي والثاني نزيفه خارجي، وكلاهما يؤديان الى الموت لدولة العراق.
لذا استغرب كثيرا ممن يرى ان العراق ايام صدام كان افضل حالا مما هو عليه اليوم، ووالله أنه لا عراق صدام ولا عراق اليوم بخير، وكل ما حصل بين الحالتين ان الجرح في ذلك البلد بدلا من ان يكون نزيفا داخليا لا ينتشر خبره ولا يجد طريقه للفضائيات أصبح نزيفا خارجيا يراه الجميع وتتناقله وكالات «الأنباء» ويتصدر أخبار الفضائيات، ذلك هو الفارق فقط، وطريقهما الى الموت واحد، موت الدولة ونهايتها وتقسيمها.
نحن في الجنوب من العراق لا نريد عراق صدام وحتما لا نريد العراق الدامي اليوم، بل نريد عراقا جارا متصالحا مع ذاته آمنا مطمئنا يعيش شعبه في رخاء.
فاستقرار العراق سياسيا هو استقرار للمنطقة ككل، وانهياره ستسقط تبعياته على المنطقة.
لذا القول ان عراق صدام كان يحفل بالأمن والأمان هو قول ساقط بل قول كاذب غير منطقي إذ إن ما قتله صدام وحزبه خلال سنوات حكمه يوازي ضحايا حروب فوضى العراق بعد ٢٠٠٣ وربما اكثر بأضعاف مضاعفة.
لا نحن ولا العراقيين نريد سقوط العراق في الفوضى العارمة بسبب تشتت الساسة فيه، ولا نريد كذلك الوحدة العراقية المعجونة بماء الديكتاتورية التي خلقها صدام ومن قبلها حزب البعث، فلا من صالحنا قوم الديموقراطية المزيفة التي لا تنتج سوى حربا أهلية طاحنة بين أفراد شعب واحد، ولا من صالحنا شعب يقبع تحت حكم ديكتاتوري ظالم لهم، فكلاهما لا ينتج إلا وبالا على أنفسهم وبالتالي علينا.
العراق الذي يريده أهله هو عراق ديموقراطي حقيقي بعيد كل البعد عن التجاذبات الطائفية العرقية الناقصة، عراق متوحد عراق الحضارة وعراق الثقافة، وهو ما نريده نحن ايضا، فعراق متوحد آمن ديموقراطي هو خير لأهله، كما سيكون خيرا للمنطقة ككل.
ليس من صالحنا عراق منقسم طائفيا او عرقيا، وحتما هذا لن يكون من صالح العراقيين قبلنا.
ويجب علينا أن نرى ونقتنع بألا عراق صدام طيب ولا عراق ما بعد صدام طيب، فكلاهما شر ووبال على شعب العراق وان اي انعكاس سيئ على العراقيين كشعب في الحالتين سينعكس علينا في المنطقة ككل، فإن كان عراق صدام الديكتاتوري قد أنتح حربا إقليمية دامت ٨ سنوات واحتلالا دام ٧ أشهر لبلدنا، فإن عراق اليوم المنقسم بحرب طائفية والمنقسم عرقيا سيكون اثره أكبر وابلغ وأشد خطورة علينا، ولمن لا يرى تلك الخطورة علينا قبل شعب العراق عليه ان يراجع بوصلته الأخلاقية مرارا وتكرارا، فإنها حتما لا تشير إلى الجهة الصحيحة.
[email protected]