عرفت قمة ريو التي عقدها الأمم المتحدة في العاصمة البرازيلية عام ١٩٩٢ باسم قمة الأرض، وكانت الأولى من نوعها حجما وتمثيلا، وتمحورت القمة حول نقاش الوضع البيئي العالمي المتأزم، واستحقت عن جدارة كما قلت تأثيرا ومشاركة وحجما ذلك الاسم.
لكن قمة الرياض الأخيرة تستحق تاريخيا وجغرافيا وسياسيا وتأثيرا أن تحمل لقب قمة الأرض، بل تستحق ان تحمل لقب قمم الأرض الثلاث، فقد جمعت اهم الأقطاب عالميا وإقليميا وإسلاميا في وقت زمني قصير، وفي مساحة زمنية ضيقة ما كانت لتتحقق لولا انها عقدت في المملكة العربية السعودية وبرعاية كريمة مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
قمم الأرض الثلاث التي شهدتها العاصمة الرياض خلال مساحة زمنية لا تتعدى الـ ٤٨ ساعة جمعت كل الأبعاد السياسية المتاحة في الشرق الأوسط وما وراء الشرق الأوسط إقليميا وعربيا وعالميا لتأخذ طابع الأبعاد الثلاثة.
وما خرجت به من اتفاقات وتفاهمات وصفقات بين كل الدول والأقطاب المشاركة يعني أن المنطقة مقبلة على تسويات سياسية جذرية تغير واقع المنطقة من الخليج الى المحيط بما يصب في صالح شعوب أبناء جميع دول المنطقة العربية، وبما يعدل من بوصلة الانحراف السياسية التي شهدتها المنطقة منذ العام ٢٠٠٣، ويعيد دفة القيادة وتقرير المصير وتحديد الأولويات بحكومات وشعوب المنطقة بعيدا كل البعد عن تجاذبات القوى العالمية، بل يحدد مسارات واضحة لإصلاح شامل من شأنه أن يعيد توازنات القوى وبالتالي يعيد الهدوء السياسي إلى المنطقة ككل.
قمة الرياض، أو بالأصح قمم الأرض الثلاث التي عقدت في الرياض ستكون وبما خرجت وانتهت إليه من قرارات خارطة طريق لتعديل الاعوجاج الحاصل في المنطقة، وهو تعديل ستقوده المملكة العربية السعودية خلال الفترة القادمة وتساندها فيه دول الخليج، وللعلم كان لتوحد كلمة دول الخليج في القمم الثلاث التي شهدتها الرياض دور كبير في سرعة بلورة تلك القرارات لتخرج كمواثيق ملزمة وحازمة وواضحة الملامح برسائل لا تقبل الشك للقوى الإقليمية الأخرى كجمهورية إيران الإسلامية، وهو ما يعني أن السياسة الهادئة والمتزنة التي اتبعتها دول الخليج في مواجهة التمدد الإيراني آتت أكلها ونجحت في أن تعيد الأمور إلى نصابها مجددا.
المملكة العربية السعودية أعادت في قمم الرياض الثلاث التأكيد على حجمها الريادي والقيادي في المنطقة، وأوضحت بشكل صريح لا يقبل الجدل انها لاعب رئيسي ليس في المنطقة أو الإقليم أو المنطقة بل في العالم أجمع، وأنها حجر أساس لا يمكن إهماله أو التغافل عنه في أي مشروع سياسي لأي قوى سواء كانت إقليمية أوعالمية في المنطقة، وأكدت أن الرياض مفتاح رئيسي لأي تغيير مقبل أو محتمل أو قائم في المنطقة، وأن دول الخليج ككل لم تعد لاعبا احتياطيا بل لاعب رئيسي يجب أخذه بعين الاعتبار وبشكل جدي قبل اتخاذ أي قرار أو دخول في المنطقة أو الإقليم.
فلأكثر من 10 سنوات اعتقدت الجمهورية الإيرانية انها اللاعب الإقليمي الوحيد والأعلى كعبا وما ساهم في ذلك الاعتقاد صمت الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية في التغاضي عن حالة التمدد العسكري الإيراني في أكثر من اقليم، أما بعد عاصفة الحزم كإجراء خليجي دفاعي وقائي وبعد قمم الرياض الثلاث فإن الصورة قد اتضحت جيدا بأن إيران مجرد لاعب بين مجموعة من اللاعبين السياسيين في معادلة سياسية معقدة وان تمددها العسكري ودعمها اللوجيستي في مناطق صراع عربية يجب ان يتوقف، وأعتقد أنه وبعد نتائج قمم الرياض الثلاث سيتغير الموقف الإيراني من الشرس العالي النبرة إلى الموقف المهادن الذي سيلجأ إلى القنوات الديبلوماسية لحل أي مشكلات عالقة بينها وبين دول الخليج ككل.
الأيام القليلة المقبلة ستثبت أن ديبلوماسية المملكة العربية السعودية والكويت ودول الخليج نجحت في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وأن تهور السياسة الإيرانية في التدخل المندفع بمناطق الصراع المحتدمة في سورية واليمن والعراق كان خطأ استراتيجيا ستدفع ثمنه الجمهورية الإسلامية الإيرانية من مستوى حجم قوتها الإقليمية.
[email protected]