قلت بالأمس ان هناك 4 أجنحة سياسية متناحرة في داخل الحكومة، ولكنها وحدها لا تتحمل مسؤولية طيراننا إلى المجهول خلال السنوات الثلاث الماضية بل تعلو على المشهد السياسي أيضا توازيا معها ثلاثة أجنحة «غير سياسية المنشأ» بيد أنها غرقت لاحقا في السياسة حتى أذني ممثليها الذي عملوا «البدع» من أجل أن يكون لهم موضع قدم نفوذ على المشهد السياسي ونجحوا نجاحا لم يكن ليتحقق لولا أن بعض أعضاء المؤسسة التشريعية، للأسف، أصبح قابلا للإيجار في بعض مواقفه وقابلا لـ «التمليك» في مواقف أخرى.
التحالفات السياسية أمر طبيعي وتداخل الاقتصاد في العملية السياسية أمر طبيعي أيضا ولكن غير الطبيعي هو أن تقوم كل الخلافات السياسية التي تتحول إلى صراعات تنبت من نواة الدينار فقط، وتتحرك خيوط جميع أطراف اللعبة السياسية التي يمتلكها «سادة الدمى» بسبب المناقصات، وتقوم حرب وتخمد وتندلع أخرى بسبب مناقصة وهنا لا أتحدث عن مناقصات الـ 5 ملايين بل أتحدث عن المناقصات المليارية، فالمناقصات المليونية وإن هدمت باب المشهد السياسي كمشروع استجواب ما هي سوى باب أو وسيلة يستخدمها أعضاء الأجنحة السياسية ضد بعضهم البعض، أما المناقصات المليارية في صراعات الأجنحة الاقتصادية فهي الغاية التي تستخدم لتحقيقها جميع الوسائل المتاحة سواء السياسية أو غير السياسية من أجل تنفيذ الحصول على أكبر قدر من الكعك الملياري الذي يلوح في أفق تحويل البلد إلى مركز اقتصادي ومالي.
الأجنحة الاقتصادية في صراعها أخطر مائة مرة من الأجنحة السياسية، فالأجنحة السياسية الأربعة وإن كانت أجنداتها غير معلنة إلا أنها في النهاية محسومة النتائج ومحدودة التأثير حتى إن كانت تتسبب في رعشة بجسد البلد وقد تمرضه مؤقتا ولكنها لا تقتله كونها جزءا من الحراك السياسي الطبيعي الذي يمكن أن يتعرض له أي بلد في العالم، فأما صراع الأجنحة الاقتصادية فيمكن أن يتسبب في شلل كامل للبلد وتقوده إلى الوفاة الإكلينيكية إذ انها تلعب بمقدرات الأمة وبمستقبل البلد القائم على النفط فقط كمورد رئيسي بل ووحيد.
صراع الأجنحة السياسية أشبه بانتظار نتيجة مباراة كرة قدم ودية حتى وإن انتهت بضربات الترجيح فتنتهي بصراخ وجرح ثلاثة أو أربعة مشجعين على الأكثر «وسلامات وحبايب»، أما صراع الأجنحة الاقتصادية فصراع حياة أو موت لا مجال فيه لأنصاف الحلول وأبسط صوره هي معارك «كسر العظم» اليومية والتي عادة ما نرى كدماتها السوداء على أعين البورصة «المحمرة» دائما بسبب.
لم يعد للمجاملة على حساب البلد مجال يمكن أن نبلع به ما يحدث، وعلى الجميع أن يكشف أوراقه فالفساد يأتي أصبح من خارج المؤسسات السياسية ولا يأتي من داخلها في البلد.
[email protected]