المتتبع لتاريخ أي مذهب سياسي أو فكري سيجد أن معتنقي المذهب غالبا ما يشكلونه بحسب طبيعة مجتمعهم أو دولتهم مع الإبقاء طبعا على ثوابت معتقدات المذهب، إنما أسلوبهم وشكل تعاطيهم السياسي مع حكومة بلدهم ووسائلهم تختلف إلى حد التناقض أحيانا مع نظرائهم من اتباع المذهب ذاته في الدول الأخرى.
الإخوان المسلمون، جماعة سياسية لا تخرج أبدا عن القياس الذي ذكرته، فهم في مصر يختلفون عن نظرائهم في تركيا، وفي الكويت يختلفون أيضا عن بقية المنتمين للجماعة فكريا في أي بلد آخر.
حركة الإخوان أو لنقل جماعة الإخوان المسلمين في الكويت كانت ومنذ نشأتها الأولى جزءا من النسيج السياسي، لها ما لها وعليها ما عليها، شأنها في ذلك شأن التيارات السياسية الأخرى، نالها من مد القبول الانتخابي كما نالها جزر القبول الشعبي أحيانا في الانتخابات، تبقى في النهاية تيارا سياسيا بصبغة دينية، لديهم حمائمهم «الحكوميين»، وكذلك لديهم «صقورهم»، مواقفهم ككل تيار سياسي مثار اختلاف بين شرائح المجتمع والنخب، لديهم حروبهم الخاصة وخصوم سياسيون تقليديون من الليبراليين والإسلاميين على حد سواء، يخطئون ويصيبون بحسب وجهة نظر من يطلق حكم الصواب والخطأ على أي موقف من مواقفهم.
لديهم قواعد مؤثرة في بعض الدوائر أو المناطق، تشكل عصب ثقل تمثيلهم في أي مجلس نيابي، لا أذكر أن تمثيلهم «الصريح» في أي من المجالس تعدى الـ 12%، أما وقود استمراريتهم كجماعة سياسية فهو طبقة طلبة المدارس والجامعات.
هنا، أنت تتفق معهم أو تختلف سياسيا أنت حر، ولكن لا يمكن أن تنكر أنهم جزء لا يتجزأ من النسيج السياسي بل والاجتماعي أيضا.
إخوان الكويت يختلفون عن بقية نظرائهم في الدول الأخرى في أنهم أكثر قربا من المجتمع هنا. طبعا ارتكبوا أخطاء سياسية على امتداد تجربتهم السياسية منذ أن خاضوا غمارها بشكل واضح وصريح منذ نحو 35 عاما، يأخذ عليهم خصومهم تقلب مواقفهم، ولكن عذرهم - أي الإخوان - في هذا التقلب انهم يتعاملون مع السياسة التي تتطلب الضرب على وتر المتغير اكثر من العزف على إيقاع ثابت.
وأبرز حالات تقلبهم هو تغيرهم غير المبرر بين عامي 2011 و2016 في الانتقال بين معسكري المقاطعة والمشاركة دونما أسباب مقنعة لرجل الشارع العادي حتى اليوم، ولكن كما ذكرت هذا هو ديدن السياسة لا ديدنهم هم وحدهم، وهو أمر سبق ان ارتكبوه في بداية الثمانينيات من مقاطعتهم لتغيير الدوائر إلى الـ 25 ثم عودتهم عن المقاطعة دونما سبب مقنع.
هنا، لا أبرر لهم، فأعتقد انهم يملكون من المنظرين ما يبرر لهم.
الخطأ الذي يرتكبه خصومهم انهم ينتقدونهم كجماعة إسلامية، أما الخطأ الذي يرتكبونه هم فهو انهم يتعاملون مع السياسة بغطاء ديني مكشوف جدا أحيانا.
ميزة اخوان الكويت انهم وللأمانة قاموا بـ «تكويت» فكر الإخوان، ولم يقوموا بنقله منسوخا عن الأصل، بل منحوه نكهة سياسية مجتمعية كويتية، لذا أجد أنهم النموذج الأكثر نضجا بين جماعات الإخوان المسلمين الناشطة في العالم العربي، بل انهم اكثر مواءمة في مجتمعهم عن غيرهم من نظرائهم، لا يكاد يشابههم في هذا سوى الإخوان المسلمين في تونس، كونهم الأكثر تأقلما مع مجتمعهم، لم يحاولوا أن يغيروا أو يثوروا على الثوابت، بل تأقلموا فأصبحوا شكلا جديدا من الإخوان المسلمين.
ما ذكرته لا يبرئهم من أخطاء سياسية ارتكبوها، ولكنه مجرد عرض نظرة حيادية مستقلة لإخوان الكويت الذين نعرفهم جميعا باسم «حدس».
[email protected]