بين متفائل مفرط ومتشائم محبط تسير وتيرة القراءات فيما يتعلق بالأزمة الخليجية الأخيرة، والحقيقة أن هناك مساحة ضوء بين مساحتي التفاؤل والتشاؤم، فالأزمة الخليجية بغض النظر عن التفاصيل الدقيقة المعلنة للأزمة وأن الأزمة هي أقرب الى الحركة التصحيحية في مسيرة دول مجلس التعاون الخليجي، وقد لا يبدو هذا الأمر منطقيا وسط عاصفة التراشق الاعلامي اليوم، ولكن الحقيقة ان التراشق الاعلامي مهما بلغ فلم يخرج عن سياق عتب المكاشفة بين الأشقاء التي نعرف تفاصيلها مسبقا قبل حتى ان تحدث بل قبل الأزمة الأولى التي حصلت في العام ٢٠١٤.
المكاشفة اليوم في التعاطي مع الأزمة الخليجية الثانية بكل ابعادها بين جميع الأطراف، والوضع الآن وكما أراه بدأ يدخل في دائرة الحلحلة، وتفكيك الأزمة، فلمن لا يعلم الاتحاد الخليجي او لنقل الاتحاد الخليجي الكونفيدرالي لم يعد خيارا مطروحا لدول الخليج الست اليوم، بل اصبح ضرورة ملحة في ظل وضع إقليمي سياسي عالمي عالي التوتر وستزيد حدة توتره خلال الأشهر المقبلة، وما الأزمة الخليجية اليوم ـ وكما أراها ـ إلا حركة تصحيحية سياسية دون تسمية المخطئ والمصيب فيها، هي حركة تصحيحية في مسيرة مجلس إقليمي يقترب عمره من الاربعين عاما، ونتائج هذه الحركة التصحيحية التي نعيشها الآن ستنتهي لصالح الجميع من الدول الست سواء من يدعي انه صاحب حق او من يدعي أنه المظلوم في هذه الازمة، فالنتيجة التي ستخرج منها الدول الست هي نتيجة مصلحة عامة.
اختلاف السياسات بين حكومات الدول الست هو الامر الطبيعي، بل هو الامر المنطقي الذي يجب ان نعترف به، والتباين بين سياسات بعض الأعضاء امر واقعي، فلا يمكن ان تكون كل الدول الست بذات السياسات، بل المنطقي ان تكون متباينة واحيانا الى حد الاختلاف بل ربما حتى الى حد الخلاف، فالدول الخليجية المتحدة، ان جازت التسمية، تماما كأصابع اليد، كل منها يتحرك بشكل واتجاه وطريقة مختلفة ولكن من اجل هدف واحد، وهو الامساك بالشيء او تحريكه لما فيه فائدة الجميع المتحد.
وهنا لا أرى أن الأزمة الخليجية مهما اخذها البعض بتفاصيلها انها خلاف واختلاف وقطيعة، سوى انها حركة تصحيحية في جسد مجلس التعاون الخليجي من اجل التحرك اقليميا بشكل اكثر ثباتا كقوة إقليمية متقاربة الرؤى والأهداف، لتتحول بالتالي الى قوة إقليمية في منطقة صراع مشتعلة مرتبكة بين العراق المنقسم وإيران التي تقود توسعا عابرا للبلدان والحدود الجغرافية.
يجب الآن أن نؤمن كشعوب خليجية بأن الأزمة الحالية هي حركة تصحيحية شاملة في البيت الخليجي، الذي يسعى للتحول من مجرد مجلس تعاوني الى مجلس اتحادي حقيقي، مجلس إقليمي ينقل دولنا من مجرد دول مستقبلة للتأثيرات الى دول مؤثرة في محيطها.
ربما يرى البعض ان ما اطرحه من رؤية هي أمنية حالمة، وان يكن، ولكن كل الدلائل تشير إلى أن الأزمة الحالية هي شأن خليجي خاص سيتم حلها كشأن خليجي داخلي وستقوم الكويت بقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد بحلها وإنهائها كما في الأزمة الأولى، وبعدها سنتحول من مجلس تعاون عمره ٤٠ عاما او اقل قليلا الى قوة إقليمية متحدة مؤثرة في الشرق الأوسط ككل، بل ولاعب رئيسي عالمي ايضا.
الأمر كما ذكرت ليس مجرد أمنية مواطن خليجي، بل واقع تفرضه المتغيرات الأخيرة، وهو ما سنشهده ونراه رأي العين خلال الأيام القادمة.
[email protected]