سورية لمن لا يعرفها حق المعرفة، هي اختزال جغرافي طبوغرافي طائفي ديني تختصر بين حدودها الوطن العربي كافة من خليجه الى محيطه، فسورية التي اعرفها بل كما يعرفها الواقع هي شرق اوسط مصغر، او لنقل هي مختصر الشرق الاوسط من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه.
فكل الأديان التي تنتشر في ٢٣ بلدا عربيا تضمها سورية، وكل الطوائف والفرق الاسلامية من سلف وإخوان وصوفية وشيعة وسنة وغيرها في سورية ودروز واغاخانية، وكل الأعراق من بدو وحضر وفلاحين وبحارة ومن تركمان وشركس وأرمن وأكراد وغيرها من اعراق نعرفها ولا نعرفها، كل هذا يجعل من سورية شرق اوسط صغير، مختزلا في بقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها ١٨٥ ألف كيلومتر مربع، ومنذ الولادة الجغرافية السياسية الأولى لسورية ولأكثر من ٥٠ عاما وكل تلك الأعراق والطوائف تتعايش متخطية حواجز تلك الأعراق والملل والنحل، وفي عام واحد تقطعت تلك الفسيفساء الجميلة الى ألف قطعة، وفي عام واحد تناثرت حكاية التعايش الجميلة الرائعة الى اكثر من ٣ ملايين مهجر من بلده.
سورية، بلد الجمال والتعايش الراقي تحولت الى ساحة صراع مسلح في اقل من ١٣ شهرا، ورغم الموت وأشباحه وأهوال الدمار حافظت سورية بل حافظ السوريون على عدم تشظي تلك الفسيفساء الانسانية الراقية، فالشهداء كلهم سوريون دون تفرقة، والمهجرون كلهم سوريون دون طائفية او فئوية.
وأثبت السوريون لنا وللعالم انهم حتى في اقسى درجات المحنة التي يتعرض لها متحدون متوافقون رغم اختلاف العالم حول طبيعة الوقوف مع كل من أطراف الصراع السوري كل دولة بحسب الطائفة التي تخدم مصالحها السياسية وليس مصلحة السوريين، وكل دولة تحاول ان تتحرك وفق الطائفة التي يرونها لأقرب لها، والسوريون لا يعترفون إلا بوحدتهم.
سورية الحضارة، والثقافة، والأدب والشعر والتعايش السلمي والراقي والجميل، رغم كل هذا الدمار وآثاره لاتزال متماسكة، ودع عنك احاديث القنوات الإخبارية وما يتناقله الساسة، واترك عن ذهنك ما يلقي به من الساسة من تصريحات بمؤتمر هناك او هنا عن الصراع السوري الداخلي المزعوم، وانظر للسوريين أنفسهم وكيف يتحدثون عن توحدهم حتى وهم في مخيمات اللجوء التي كتبت عليهم ولم يختاروها بعد ان أجبرتهم نيران الحرب على مغادرة منازل ذكرياتهم وطفولاتهم وأحلامهم تلتها البراميل المتفجرة تارة وتنسفها غارات التحالف تارة أخرى ويعيث بها الإرهابيون من جهة، وكأن العالم أجمع واجتمع على ان يدمر سورية الوحدة وسورية التعايش وسورية الشرق الاوسط الصغير.
للأسف، لم يأتنا من سورية إلا الخير، أتكلم عن سورية البلد وسورية السوريين لا سورية النظام والحكم، ولم نصدر لها نحن والعالم سوى الدمار الذي لم تستحقه منا كرد جميل لها ولأهلها، نتاجه عشرات الآلاف من الشهداء ومئات من الآلاف من النازحين.
سورية هي مسؤوليتنا جميعا، ان تعود كما كانت، وان نساهم بما استطعنا لوقف شلالات الدم ونكبح جماح التقسيم المحتمل ونغلق أبواب النزوح او نعيد فتحها لمن أراد العودة.
السوريون جزء منا، ونحن جزء منهم، ما يسوؤهم يسوؤنا، وما يجرحهم يجرحنا، ووالله ان تقسمت سورية او سقطت في فخ التقسيم فهذا سيكون مآل الجميع شاءوا أم ابوا، وبرغبتهم او برضاهم، سورية هي الاختبار النهائي والأخير للعرب، فإما أن يكونوا أو لا يكونون أبدا.
والقصة هنا ليست قصة نظام سورية، اختلفنا فكريا او عقائديا او اتفقنا، القصة هنا في مجملها كما يجب ان تكون هي الشعب السوري الذي يفترض ان نراه ونعتبره ونشدد على انه يجب ان يبقى متحدا متماسكا في ارضه الجغرافية كما عرفناها.
لا هكذا يجب ان افكر ككويتي او خليجي او كعربي، بل هكذا يجب ان يفكر السوريون، فبيدهم مفتاح الحل واللاحل، وانا اعلم يقينا ان شعبا بهذه الثقافة التعايشية الجبارة وبهذه الخلفية الحضارية الراسخة وهذه الثقافة، قادر على ان يعيد سورية متوحدة كطائر الفينيق من رماد الموت والدمار والتدخلات.
[email protected]