الدستور الذي وضع بتاريخ 11 نوفمبر لم يكن قدر هذه الأمة فقط بل رئتها الثالثة إن لم تكن الوحيدة والتي بواسطتها استنشقت هواء الحرية وتنفسته وأعلنت نفسها أمة نفخر بأنها من أوائل دول العالم الثالث في السعي نحو الحصول على سلاح الحرية لجميع أفراد شعبها.
كان الدستور جزءا من الهواء الذي استنشقته رئتانا قبل أن نفزر صرخة ولادتنا الأولى لنعلن أننا أحرار حتى النخاع ومنذ الساعة الأولى لدخولنا رقما يضاف إلى سجلات مواليد هذا البلد ونحن نعرف ما علينا من واجبات وما لنا من حقوق.
آمنا بالدستور وعملنا بقية حياتنا على أساس مواده، نعرف تماما ما لنا وما علينا، تحررنا من كل شيء يربطنا بالزمن السابق لولادة الدستور لتعيش ديموقراطيتنا الفتية بيننا معززة مكرمة، مع تنامي الدستور في داخلنا كقدر كبرت معاصمنا على القيود فأصبح من المستحيل أن تقبل أصفاد الرجوع إلى ما قبل 1962، رغم أن هناك من يستميت ليعيد عقارب الساعة إلى ما قبل 11 نوفمبر من ذلك العام، بل إن هناك من يريد أن يلوي عنق الدستور ليتواءم مع مصلحته الفئوية أو القبلية أو الطائفية كلما ركب موجة من مواد الدستور ليفسرها على هواه.
ورغم ذلك لانزال نؤمن بالدستور إيماننا بتعاقب الليل والنهار إلى ما شاء الله، إيماننا بأن الأمم لا تقوم ولا تتقدم إلا بوجود حجر أساس تفاهم شامل يربط بين أفراد الشعب والحاكم من جهة وبين أفراد الشعب وأنفسهم من جهة أخرى، تفاهم يساوي الرؤوس تحت مظلة عدالة واحدة لا تفرق بين شخص وآخر إلا في حدود ما حدد الدستور.
الدستور وحده اليوم هو كلمة الفصل في أي شأن، وأي تجاوز عليه هو تجاوز على قدرنا ومحاولة للنيل من أهم ما تملكه هذه لأمة.
وأدعو أفراد الشعب الكويتي لقراءة الدستور والتمعن في مواده وإعادة قراءتها والعمل على أساسها، فوالله لو أن كل فرد في الكويت من أسفل القاعدة إلى الأعلى قرأ الدستور وعمل به ووضعه نصب عينيه لحللنا جميع مشكلاتنا ولأنهينا الطائفية والقبلية والفئوية، ولقطعنا الطريق على كل من يستغل جهل كثير من العامة بدستورهم ليلعب على أوتار الفرقة البغيضة بما يتواءم مع مصلحته ومصلحة «عمامه».
هناك من يحن حنين الإبل إلى زمن الباشوات، و«يستذبح» بكل ما أوتي من قوة ليعيد شيئا من ذلك الزمن ولو لعام أو لعامين، وفي القرن الماضي نجحت تلك المحاولات في فترات سابقة باستغلال أوضاع سياسية معينة انتهت إلى غير رجعة، وهاهم اليوم يحاولون أن يعيدوا شيئا من تلك السيناريوهات علهم يظفرون بشيء من زمن «الباشوية» الذي انتهى غير مأسوف عليه، ويكفينا أن حكام البلد من آل الصباح وضعوا وقبلوا بالدستور دون ضغط من أحد فلم يأت دستورنا لا بثورة ولا بعصيان ولا خروج على الحاكم ولم تأتنا الديموقراطية على ظهر دبابة، بل جاءت من قناعات مشتركة بين الحاكم والمحكوم، فديموقراطيتنا ولدت منا وفينا، ومن يعتقد أنها نبت شيطاني لا يعجبه امتداد عروقه فليرحل.
[email protected]