تخيل فقط: تبلغ العمليات عن حريق يشتعل في منزل احد جيرانك، وبدلا من ان تحضر عربات الاطفاء لمكافحة الحريق استجابة لبلاغك تحضر دورية شرطة ويلقي رجالها القبض عليك ويأخذونك إلى المخفر ليتم احتجازك، فقط لأنك أبلغت، والحريق لايزال مشتعلا في منزل جارك!
****
ما ذكرته اصبح واقعا في حادثة معينة بل وفي عدة حوادث، اذ تم القبض على المبلغ عن حادثة ابلاغ تجاوز او فساد، واعتقد ان هذا سببه وجود عوار تشريعي واضح يجب على أعضاء مجلس الامة العمل على تعديله عبر تعديل القوانين خاصة تلك الاخيرة التي اقرت خلال مجلس 2013، وكما ذكرت سابقا منها: قانون النشر الالكتروني وقانون الجرائم الالكترونية كمثالين صارخين، الأهم من هذا ان يصدر مجلس الامة قانونا يحدد بالضبط والتفصيل «حرية الرأي» قانونيا، والأهم إيجاد قانون يحمي «النافخون في الصافرة» كما يعرفون بالعالم الغربي، او المبلغون عن الفساد كما نعرفهم.
طبعا لدينا في قانون انشاء هيئة مكافحة الفساد التي لم تعمل حتى الآن مادة يتم بموجبها حماية اي مبلغ عن الفساد، ولكن هذا المادة او هذه الحماية فقط تمنح للمبلغ اذا ما ذهب ببلاغه الى هيئة مكافحة الفساد، ولكن لا تتم حماية المبلغ عن فساد اذا ما اعلن عما يعرفه في وسائل الاعلام او وسائل التواصل الاجتماعي! وهذه كارثة، البعض بحسن نية يقوم بنشر اوراق مشاعة يرى فيها تجاوزا ما في الحكومة، ثم يتم استدعاؤه والتحقيق معه، هؤلاء يجب حمايتهم وبالقانون فهو يبلغ عن جريمة او تجاوز او هدر او حتى تصرف لا مسؤول من مسؤول او طبيب او موظف عادي.
يجب ان يتم تقديم قانون مستقل ومتكامل لحماية المبلغين عن الفساد، وليس مجرد فقرة في قانون هيئة مكافحة الفساد التي لم تعمل اصلا حتى اليوم، على ان يكون القانون شاملا يحمي اي مواطن او مقيم في حالة ابلاغه عن اي حالة فساد سواء تقدم بها الى الجهات الرسمية او نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي او أطلقها في الاعلام.
القوانين الاخيرة للاسف «كممت» الحرية وهو امر مخالف تماما للدستور، بل انها وببعض الانتقائية أصبحت سيفا على رقاب من يريدون طرح ارائهم بكل حرية.
القانون في الأصل ان يكون للتنظيم وليس التكميم كما هو الحاصل في القوانين الاخيرة!
الفساد نعم مستشر، اداريا وماليا وفي اكثر من جهة، والفساد ليس بالضرورة ان يكون استيلاء على مال عام، بل ان الفساد يمكن ان يكون في وجود قياديي يتسبب في هدر الملايين فقط لانه اصدر قرارات غبية.
****
وعندما يأتي شخص يكشف اي وجه من أوجه الفساد ويعلنه على ان يكون ما يطرحه حقيقيا هنا يجب ان تتم حمايته بل يجب ان يتم استدعاؤه لشكره وتكريمه، لا استدعائه وإحالته الى التحقيق وحبس حريته فقط لأنه كشف ما لا تريدون ان يكشف.
من حقنا ان نعرف ومن حق الناس ان تتحدث علانية وبكل حرية حول ما يرون او يكتشفون من فساد دون قيد او شرط.
الا تقول الحكومة دوما ان «المواطن خفير»؟! حسنا لماذا تعاقب من يصبح خفيرا ويبلغ عن فساد او تجاوز؟
هل تعلم الحكومة الموقرة ان هناك قياديين يراقبون ما يكتبه الموظفون لديهم عبر «تويتر» ويقومون بمعاقبة الموظفين المغردين وفقا لما يكتبونه من آراء سواء كانت آراء سياسية عامة او آراء تتعلق بوزارتهم، يعاقبونهم بإيقاف درجاتهم او منحهم تقييما سنويا منخفضا او حتى نقلهم وربما حرمانهم من اللجان او المهام الرسمية؟
توضيح الواضح: سؤال: أبي اعرف إقرارات الذمة المالية لقياديي الدولة شتسوي بألمانيا؟!
[email protected]