منذ عامين تقريبا توقفت عن حضور مسرحيات الصديق العزيز جدا طارق العلي، لسبب بسيط جدا هو انه لا يقبل حضوري بتذكرة، بل ويحجز لي في الصف الأمامي، فأصبحت أحرج كثيرا من الحضور المميز «بو بلاش».
حتى كان الأسبوع الماضي عندما اصر ضيف سعودي على ان يحضر مسرحية طارق العلي الجديدة «ولد بطنها»، ولم اجد بدا من ان أقوم بالحجز، ولكن لم اذهب بنفسي للحجز لان حتى مسؤولي الحجز اعرفهم ويعرفونني، وارسلت شقيقي لحجز تذكرتين.
وحضرنا المسرحية دون ان ابلغ العزيز بومحمد انني بين الحضور لأنني اعلم يقينا ماذا سيفعل.
***
وما صدمني الحقيقة ان هذه المسرحية قصة وإخراجا وفكرة تختلف اختلافا كليا، بل وجذريا عن اخر ثلاث مسرحيات قدمها الفنان طارق العلي، اذ انها تأخذ طابع النقد السياسي المباشر عبر قصة متكاملة باستكشات مترابطة حول اثر التعيينات الباراشوتية التي تعاني منها اغلب مؤسسات الدولة، بل وتطرق المسرحية بابا قلما طرق مسرحيا ألا وهو باب التعيين في المناصب القيادية طبقا للفئوية، ونجح طارق العلي وشريكه في النجومية الفنان الكبير عبدالرحمن العقل في ان يقدما مجتمعين وجبة كوميدية هادفة في قالب ساخر انتزعت الضحكات من الجمهور دون إسفاف او تسطيح او تسخيف للقضية التي يقدمانها.
***
للأمانة ان مسرحية «ولد بطنها» تحول جذري في مسرح طارق العلي والذي انتقل من الكوميديا المباشرة الى الكوميديا العميقة التي تلمس جميع الناس بقالب فني راق وأسلوب سلس وروح فكاهة حاضرة وهي توليفة من الصعب ان يجمعها احد كما يفعل الفنان طارق العلي.
***
وكنت قبل ان احضر المسرحية أخشى ان تكون «ولد بطنها» تكرارا لمسرحيات العلي السابقة التي تعتمد على اللزمات والمباشرة في طرح الفكرة، ولكن ما أسعدني ان العلي لم يكرر نفسه، بل لا ابالغ ان قلت انه غامر في تقديم الكوميديا غير المباشرة عن قضايا تهم المجتمع ككل، واتبع اسلوب الإسقاط الكوميدي غير المباشر، والذي اجاد استخدامه وتوظيفه في مسرحيته الاخيرة تلك، بل واعتقد ان هذه المسرحية ستكون نقطة تحول في مسرح طارق العلي ككل، وعندما أقول: مسرح طارق العلي فأنا اعني ان الرحل يمتلك مسرحا خاصا به وبأسلوبه وبطريقته الكوميدية ولم يكن ينقصه سوى نص متكامل حي يلامس الناس كنص مسرحيته الاخيرة.
***
طارق العلي اليوم هو من اقرب الفنانين الى نبض الشارع الكويتي وهمومه وأحلامه وطموحاته، ويعتبر مترجما كوميديا أصيلا لـ«التحلطم» الكويتي فيما يتعلق بهموم المواطنين، ووحده قادر على ان يقوم بهذه المهمة مسرحيا دون غيره، مستعينا باطلاعه ومراقبته للشأن الداخلي العام وقربه من الناس، فهو يمثل للناس ومن اجل الناس ولا يمثل عليهم او من اجل مصلحته.
***
مرة أخرى، مسرحية «ولد بطنها» تحول في مسرح طارق العلي نحو تقديم شيء محسوس وملموس وحي لاحتياجات الناس، أو على الاقل «يفش غل» الناس فيما يرونه من أخطاء حكومية او مجتمعية متحررة.
***
توضيح الواضح: شكرا طارق العلي.
[email protected]