عندما كنت مجندا كان «وكيل ضابط» يعتبر صاحب الرتبة العسكرية الأكثر حظا في الجيش كله، أو كما يقول المثل العسكري الذي نسمعه عن وكلاء الضباط إن: «رأسه داخل المعسكر وجسمه خارجه» للتدليل على انه من جهة يحسب على الضباط وينال معهم ما ينالون من امتيازات رغم انه ليس ضابطا بنجمة، ومن جهة تناله إجازات الأفراد من العسكريين كونه أيضا يعتبر في الرتبة من الجنود، فإن رفع رأسه كان ضابطا وان أدار برأسه قليلا كان جنديا.
****
وهناك تيارات سياسية في الكويت تلعب لعبة «وكيل الضابط» في المجلس وخارجه، فتجدهم ينقسمون إلى قسمين، قسم مع الحكومة يهادنونها بل ويشاركون بها ويؤيدونها ويدافعون عنها، وقسم آخر منهم يهاجم الحكومة ويعارضها بل ويستجوب وزراءها ويتحالف مع كل من يعارض الحكومة.
****
ولعبة وكيل الضابط التي تمارسها تيارات سياسية معروفة، بدأت هذا اللعبة بشكل واضح منذ مجلس 1981، ومعظم التيارات السياسية الثقيلة الحضور لعبتها في فترة من الفترات ونجحت اللعبة كخدعة لوقت طويل تمارس على الناس وليس على الحكومة طبعا، فمثلا تجد ان تيارا يقاطع الانتخابات ومع هذا يتم توزير ممثل عنهم، وحصل هذا اكثر من مرة.
وتجد ان تيارا لديه ممثل يطرح ويقدم استجوابا لوزير ونائب من التيار ذاته يرفض استجواب زميله «التياري» بل ويدافع عن الحكومة وربما يطعن بصحة الاستجواب دستوريا، رغم ان مقدم الاستجواب والمعارض له من التيار والحزب وذاته.
****
هذه الخدعة، اعني لعبة «وكيل الضابط» السياسية نجحت في الثمانينيات نجاحا باهرا، وتم تصديقها، وفي التسعينيات أيضا تم استخدامها اكثر من مرة، وفي الألفية الجديدة تمت ممارستها، ولكن ممارستها اليوم سذاجة سياسية غير مبررة، أعني أن الأمر اصبح مكشوفا للغاية، فحتى ألعاب الخفة والخدع السحرية تفقد بريقها مع الوقت ويتم اكتشاف كيفية قيام الساحر بها كالخدعة الشهيرة التي يوهم بها الساحر انه أخفى فتاة جميلة في صندوق اخترقته السيوف، ثم تخرج الفتاة سليمة، ولكن التيارات السياسية في الكويت تصر على استخدام الخدعة ذاتها على الجمهور.
وربما نجحت هذه الخدعة على الشعب في الثلاثين سنة الأولى من عمر استخدام التيارات لها ولكنها اليوم لن تنجح، فالناس تعلم ان الصندوق الذي تخترقه سيوف الساحر ليس فيه فتاة لا جميلة ولا جيكرة.
****
ما ذكرته إثبات ان لدينا في المشهد السياسي أفراد ا«مستقلين» يشكلون تيارات سياسية، ولكن ليس لدينا تيارات سياسية حقيقية ينضم لها الأفراد.
بمعنى التيارات السياسية في الكويت أشبه بفريق كرة قدم يلعب في «السكة» و«اللي يبي يصير حارسا يصير واللي يبي يلعب بالهجوم يلعب واللي بيصير حكما بكيفه».
****
لهذا لن تنجح العملية الديموقراطية في التطور الذي نسعى اليه ما لم ندخل عالم الاحتراف السياسي ويتم إشهار أحزاب حقيقية.
[email protected]