قضيت في مصر ما مجموعه 5 سنوات من الإقامة المتفرقة طوال 20 عاما، ولم أعش في مصر يوما ككويتي ذهب إليها للعمل أو للسياحة ولكنني كنت أعيش كمصري في كل شيء في تنقلاتي وزياراتي بل وحتى في طريقة تفكيري أحيانا، علاقاتي في القاهرة تكاد توازي حجم علاقاتي في الكويت، كما عملت لفترة كاتبا صحافيا في مجلة آخر ساعة وزاملت كلا من رئيس تحريرها السابق محمد الشماع والزملاء إيهاب فتحي وعلاء مطر والقبطي النبيل هاني لبيب.
أعرف سور الأوزبكية حجرا حجرا بل لا أبالغ إن قلت إنني أعرفها ورقة ورقة وأحفظ وجوه باعة الكتب والمجلات القديمة وإن كانت ذاكرتي لا تسعفني لحفظ أسمائهم، أعرف كوبري الملك الصالح كما أعرف جسر الغزالي في الكويت، وأعرف مداخل ومخارج شارع سليمان باشا كما أعرف خارطة سوق المباركية وأجيد تعديد أسماء معظم الوزراء المصريين تماما كما أجيد حفظ أسماء الوزراء الكويتيين الذين نافسوا وبجدارة الرؤساء السوفييت السابقين الذين كنا لا نحفظ اسم أحدهم حتى يطير باستجواب أو بتدوير أو استقالة.
علاقتي بالصحافة المصرية كقارئ تعود إلى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ومازلت أتذكر إحدى الصحف المصرية في العام 1982 عندما عنونت صفحتها الرئيسية «عملوها الكوايتة» وذلك في عرضها لنتيجة مباراة المنتخب الكويتي والمنتخب التشيكي عندما تعادلا إيجابيا بهدف لمثله، تماما كما عنونت صحيفة كويتية بمانشيت «سووها الفراعنة» عندما هزمت مصر إيطاليا بطلة العالم في كأس القارات الماضية.
الفرح هناك في القاهرة مشابه للفرح هنا في الكويت، التعلق بالدين، الفخر بالانتماء، اليأس واحد، الطائفية شكل واحد وأرقام مختلفة، المشكلات الاجتماعية أيضا واحدة مع اختلاف تركيبة النسيج إنما المعادلات واحدة ومحصلاتها تقريبا متشابهة، فهنا في الكويت بدو وحضر وفي مصر قبلي وبحري وهنا لدينا سنة وشيعة وهناك مسلمون وأقباط، الرابط بين البلدين ثقافيا واجتماعيا ولغويا يكاد يكون هو الأوضح وليس الأقرب، وكنت أعتقد أن هذا الأمر فقط أشبه بالتوأمة بين بلدين شقيقين ولكنني وجدت أن التوأمة يمكن أن نجدها بين أي بلد عربي وآخر لبنان والكويت، ليبيا ومصر، العراق «مع استثناء السنوات الخمس الأخيرة» والجزائر وتونس وسورية وقطر وعمان أو الأردن والكويت وقس على أي دولة عربية وأخرى، أحلامنا رؤانا طموحاتنا آهاتنا متشابهة مع فارق اللهجة واللكنة فقط وأحيانا فارق العملة ولكن «الآه» دوما ما تكون واحدة مهما اختلفت لهجاتنا فصدورنا عامرة بذات الآلام وإن اختلفت مسبباتها.
وجدت أثناء مقارناتي تلك بين الدول العربية أن الشعوب العربية في مجملها شعوب طيبة تتعلق بالدين كل على ملته، لايزال أفرادها إلى اليوم رغم العولمة و«العولقة الأميركية» وانتشار ماكدونالدز وثقافة الراب وجملة «بيس يا مان» تحتفظ بقيمها الاجتماعية كالكرم والطيبة وحسن الضيافة.
ولم يكن لمقالي مناسبة سوى ما تقع عليه عيناي يوميا لشتائم العرب ضد بعضهم البعض على فضاءات الإنترنت والفضائيات ولم أجد ردا على الشتامين العرب سوى هذا المقال البسيط ومثل شعبي مصري قديم قدم الأهرامات «لا تعايرني ولا أعايرك.. الهم طايلني وطايلك».
[email protected]