ربما تكون نكتة ولكنها تختصر واقع مأساة تمتد على مساحة ٦٠ عاما.
****
في الثمانينيات شهدت مونتريال مظاهرة حاشدة في يوم الأرض الفلسطيني وشارك فيها الآلاف من الفلسطينيين والعرب المغتربين وكنديين مؤيدين للحق الفلسطيني حملوا فيها العلم الفلسطيني، وكان احد من قرر المشاركة في المسيرة قد حضر متأخرا فدخل الى محل يبيع الإعلام وسأله:«هل لديك علم فلسطين؟!»، فأجابه البائع وكان يهوديا: «لا للأسف قد نفدت كلها منذ امس استعدادا لمظاهرة اليوم ولكن لدي علم إسرائيل»، هنا جرت الدماء في عروق المتظاهر العربي صارخا بوجه البائع: «وماذا عساني اصنع بعلم المحتل»، فابتسم البائع قائلا: «سهلة اشتريه مني واذهب الى حيث المظاهرة... وأحرقه».
****
مجرد نكتة سياسية سمعتها او قرأتها منذ سنوات، ولكنها في حقيقة الأمر ومع تطور الأحداث الأخيرة بعد اعتراف الإدارة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل تبدو نكتة تختصر واقع الأمتين العربية والإسلامية في تعاطي ساستها وشعوبها مع القضية الفلسطينية.
****
النكتة الثانية مكملة لصورة الوضع العربي والذي وبسببه لا نستطيع ان نكون اكثر من مجرد ظاهرة صوتية، تقول النكتة ان زعيما عربيا قابل الرئيس الأميركي، فأحب الأخير ان يتفاخر عليه بحجم الحريات في بلاده وقال له: «هل تعلم انه يمكن لأي مواطن أميركي ان يشتمني وأنا الرئيس ويذهب الى منزله دون ملاحقة»، فقال له الزعيم العربي: «ونحن كذلك يمكن في بلادنا لأي مواطن ان يشتمك وأنت الرئيس الأميركي ويذهب الى منزله دون ملاحقة».
****
فقط قم بدمج النكتتين مع بعضهما البعض وستختصر على نفسك ساعة من التحليل لفهم ما يحصل لنا اليوم، وكيف استطاعت الإدارة الأميركية الحالية ان تتخذ قرارها ودون تردد ان تنقل سفارتها الى القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل.
****
يمكن للجميع تبادل الاتهامات بالعمالة والخيانة، وضرب بعضنا البعض بالتخوين ومشاهدة عشرات الساعات المسجلة لمحللين سياسيين عرب يشرحون قصة ما حدث من الاعتراف الاميركي وما وراءه وما دونه وما خلاله وما سيعقبه، وفي النهاية لن نصل سوى الى نتيجة.
****
حقيقة وواقعيا لا نملك سوى هذه الأدوات السياسية البسيطة، فبلا حريات حقيقية وشاملة وجذرية سيبقى الوضع على ما هو عليه، وسنستمر ٦٠ عاما اخرى بذات القصة ولكن بشخوص مختلفين كل مرة.
أعني اللعبة مستمرة ولا يتغير سوى اللاعبين.
****
توضيح الواضح: الخارجية الأميركية بالأمس قررت تعليق قرار نقل سفارتها الى القدس وإلى اجل غير مسمى، وأعتقد ان هذه خطوة لم يجبرهم عليها احد، وحتما ليس لأن ردود افعالنا الصوتية اثرت فيهم، بل لأنهم حسبوا واقع المنطقة بعقلانية لعلمهم جيدا ان هذه الخطوة سياسيا وفي الوقت الحالي ليست في صالح مصالحهم، ولكن هذا لا يمنع من ان تكون خطوة لاحقة.
****
توضيح الأوضح: يبدو ان قرار ترامب كان مجرد جس نبض سياسي لا أكثر.
[email protected]