لا يمكن لبلد ديموقراطي ان يسير بالاتجاه الصحيح سياسيا ما لم تكن لديه معارضة حقيقية تراقب أداء الحكومة، ومن هذا المنطلق فوجود المعارضة أمر حيوي ومهم، فالرقابة التي تمارسها المعارضة جزء من إصلاح أي خلل أو خطأ تقع فيه الحكومة، وهذا واقع، وخلو البرلمان من معارضة حقيقية أو تفريغه منها بأي طريقة كانت ستكون نتيجته سيئة بل سيئة جدا على البلد على المديين القصير والبعيد، وما من عاقل منصف يقول بغير هذا.
***
غير أن المعارضة لدينا بمفهومها «الاعتراضي» أو «الاحتجاجي» تعاني من أمرين لا بد لها أن تتجاوزهما، أولا وقبل كل شيء ان تتوقف عن حالة المظلومية السياسية التي تعيشها وتعترف بالواقع السياسي وتمارس دورها وفق المعطيات الانية التي تفرضها قواعد اللعبة السياسية اليوم، وأن تبدأ عملها وفق ما هو واقع وليس وفق ما يجب أن يكون الحال عليه، هذا أولا، أما ثانيا: وهي معضلتها الحقيقية أن المعارضة لدينا فردية أو مجموعات تورطت في بعض مراحلها مع بناء حساباتها وفق معطيات الصراع السياسي فخسرت ولم يخسر المتصارعون.
***
بالعربي، المعارضة يجب أن تفك أي ارتباط لها مع أي جناح سياسي وأن تعود للعب من منطلق برنامج حقيقي خاص بها لا يخضع لأي نوع من أنواع الحسابات التي قد توقعها في معادلات سياسية محرجة كما حصل فيما بعد ٢٠١٢ وخسرت كثيرا من قواعدها الشعبية وطبعا البرلمانية.
***
المقاطعة اليوم انتفت تماما كمبدأ وكمصلحة عامة بل وحتى كخيار سياسي، ورفع هذا الشعار اليوم لا يوجد أدنى مبرر له، وخوض الانتخابات القادمة الوسيلة الوحيدة لعودة ما تبقى من المعارضة كما نعرفها أو نريد أن نعرفها.
***
والأمر الأهم، ليس من حلول أمام المعارضة سوى القبول بالأمر الواقع والتحول من العمل «الندواتي» خارج المنظومة الدستورية إلى العمل السياسي بالانخراط في الواقع الحالي وخوض اقرب انتخابات، والمعارضة لا تمثل نفسها بل يفترض أن تمثل الشعب الذي لايزال غالبية منه يثقون بضرورة وجود معارضة تراقب وتشرع وتحد من أي خطأ محتمل.
***
المعارضة خسرت كثيرا خلال السنوات الأخيرة ليس بسبب الملاحقات السياسية بل بسبب اتباعها أحيانا لطرق سياسية متطرفة لم يكن هناك أدنى حاجة لها، والاهم أنها قبلت التحالفات مع ساسة اتخذوا المعارضة طريقا للوصول وكان هذا خطأ استراتيجيا للمعارضة، فقد تمددت بشكل مخالف لواقع حجمها الحقيقي، وهو ما أوقعها في شرك الصدام الذي لم يكن له داع أبدا.
***
طبعا ليس لك إلا أن تحترم من يقف ثابتا على مبدئه حتى ولو كنت تراه على خطأ من حيث تقف، ولكن الحقيقة الآن أن خوض المقاطعين اليوم لأقرب انتخابات هو حركة في الاتجاه الصحيح، والقصة تكمن في أن المشاركة أصبحت واجبا وطنيا كما أرى فلم يعد في الأمر متسع لان تترك المعارضة مكانها شبه فارغ دون داعٍ أو مبرر اليوم.
[email protected]