المطالبات بحكومة منتخبة هي ولا شك مستحقة ونبيلة، بل جزء من حلم نرى انه سينقلنا من نظام ديموقراطي أعرج الى نظام ديموقراطي سليم القدمين، وقبلها ولا شك لابد ان تكون هناك قوانين منظمة لإنشاء الأحزاب حتى يمكن ان نحقق حلمنا في الحكومة المنتخبة التي يرى كثير من المعارضين والمستعرضين ولابسي رداء المعارضة انها هي الحل لكل مشاكلنا السياسية وانها ستكون الضربة التي ستقضي على الفساد.
****
لا أعلم لِمَ يرى البعض القفز قفزا نحو الحكومة المنتخبة، متناسيا ان لدينا خللا واضحا في اختياراتنا الديموقراطية، والتي تقوم على اساسيات قبلية وعائلية وفئوية وطائفية ومناطقية أيضا، وكأنهم يريدون ان يقفزوا قفزا فوق واقعنا المجتمعي نحو الحكومة المنتخبة، طيب والفئوية التي نعاني منها والطائفية والقبلية والاختيارات السياسية التي تتم في كل انتخابات ديموقراطية وفق هذه التصنيفات المجتمعية ماذا سنفعل بها؟! ونحن نرى يقينا ان عقدتنا في الاختيارات السياسية الديموقراطية ان اكثر من نصف الشعب يرى ان الديموقراطية هي مجرد وسيلة للحفاظ على كيانه القبلي او الفئوي او الطائفي.
****
لدينا غالبية عظمى من الشعب ترى ان كراسي البرلمان هي انعكاس محاصصة واقع عرقيات المجتمع وان جزءا من تلك الكراسي بشكل أو بآخر يمثلهم وحق لهم من منطلق انتماءاتهم الخاصة لا العامة، ومجرد وجود هذا التفكير كارثة، ولا يمكن بناء قاعدة للانطلاق نحو حكومة منتخبة وفق هذا الواقع المجتمعي وطريقة تفكيره، ومهما بالغ المثاليون في طرح المثاليات التي يحملونها بين طيات دعواتهم لتشكيل حكومة منتخبة فإن الواقع يحطم أطروحاتهم ودعواتهم، فعن اي حكومة منتخبة يتحدثون؟!
****
نعم الشعب واع ومثقف ويمارس الديموقراطية منذ اكثر من نصف قرن، وأظن المشكلة انه وفي ظل عدم عدالة مجتمعية ترعاها الحكومة فإن أفراد المجتمع من الطبيعي ان يعودوا للكينونات الصغيرة التي تشكل المجتمع، ومعها يمارسون الديموقراطية وفق رؤى مصالحهم ككنتونات لا كبلد، فعن أي حكومة منتخبة يتحدثون؟!
****
بالمناسبة الحكومة المنتخبة كـ «خيار سياسي» رائع، ولكنها لا تصلح للتطبيق في ظل تفكير مجتمعي متقوقع ويرى ان ولد عمه المرشح النصف متعلم والنصف فاهم سياسيا احق بالصوت الانتخابي من مرشح أكاديمي قانوني بتوجه سياسي وطني.
****
لنعترف اننا ديموقراطيون شكلا وطوال ايام السنة نمارس النقد الديموقراطي الحقيقي، بل اننا ديموقراطيون اكثر من الإغريق ولكن في يوم التصويت نتحول الى لا ديموقراطيين ونتعصب قبليا ومذهبيا وعائليا.
يوم واحد نكفر فيه بالديموقراطية وهو يوم التصويت، وباقي ايام السنة نتحلطم على اختياراتنا، فعن اي حكومة منتخبة نتحدث؟!
[email protected]