لا أعلم ما المسوغ القانوني الذي بموجبه اعتمد ضبط الشخص الذي «قال» باستقالة الحكومة، وسواء كان رأيا أو خبرا فإن ما ذكره أو ما قاله حتى وان كان محض إشاعة لا يستوجب المساءلة ولا حتى الالتفات إليها، والسبب انه تناول شأنا عاما مباحا لا يجرم ولا يجب أن يجرم الحديث عنه سواء بالتوقع أو التأويل، سواء قال أو توقع أو اعتقد باستقالة الحكومة أو حتى طالب برحيلها، فهو هنا مارس حقه في إبداء رأيه الحر كيفما يراه هو، وسواء رأيه كان خطأ أو صوابا يبقى في حدود الرأي ولا يرقى بأي حال من الأحوال إلى الفعل المجرم فهو لم يحرض ولم يفعل سوى ان نقل رأيا أو على الأقل نقل خبرا صحته أو عدمها يتحمله هو كصاحب رأي، أما أن يضبط أو تتم المطالبة بضبطه فهو لا يستقيم لا قانونا ولا دستوريا.
***
الحكومة ليست محصنة ولا اذكر مادة بالدستور ولا بالقانون تحصنها من النقد أو الرأي المضاد، ونقدها بحسب ما اعرف قانونيا مباح، والمطالبة برحيل الحكومات غير مجرم اذا كانت تلك المطالبة تدخل في حدود الرأي.
***
لدينا بحسب ما اعرف مليون نسمة و«كسور» ولكل من هؤلاء المليون رأي يختلف عن رأي الآخر باعتبار انهم جميهم بالغون ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يمكننا التصور بأنهم مستنسخون عن بعضهم البعض، منهم من يرى بحسنات الحكومة ومنهم من يرى بأخطاء الحكومة، ومنهم من يتطرف ويطالب برحيلها، كيفهم، كل شخص منهم له رأيه الحر المستقل الذي لا يشبه رأي الآخر.
***
هذه الحقيقة البشرية البسيطة يجب على الحكومة أو أي حكومة اخرى ان تعيها وتفهمها وتتفهما وتؤمن بها في انها حق متفرد لكل شخص، فرؤية شخص عن الآخر تختلف تماما وتتباين الى حد التناقض، فأراد البشر كبصمات أصابعهم بالضبط، ومحاولة فرض رأي موحد لمجتمع ما تجاه أي قضية هي كمحاولة استنساخ شعب كامل وهو أمر مستحيل ولا يتطابق مع الطبيعة البشرية التي فطرنا عليها منذ الخليفة، والأمر هنا لا علاقة له لا بدستور أو قانون، مواد الدستور لا تجعلنا متشابهين بل تحدد إطار علاقتنا ببعضنا البعض اما ما بينها فلا تشابه بيننا.
***
نعم، هناك إطار عام وهو الدستور والقانون لتحديد العلاقات بين الأفراد وبعضهم وبين الأفراد والمؤسسات وبين المؤسسات نفسها ولكن في داخل الإطار القانوني والدستور يكفل الخلاف في الرأي على أوسع ابوابه، وهذا ما يجب ان تؤمن به المؤسسات وأولها الحكومة السلطة التنفيذية قبل ان يؤمن به الأفراد أنفسهم.
***
القانون والدستور يحددان اطر التعاملات بين الناس كسور يحيط بهم وأما الرأي فيفترض انه لا سقف له، أنا هكذا افهم حرية الرأي وهكذا أؤمن بها وهكذا اعتقد انه يجب على الآخرين الإيمان بها وممارستها والاهم قبول الآخرين عندما يمارسونها حتى وان كانت على النقيض مما نقول أو نؤمن.
[email protected]