حضرت نقاشا لمجموعة من الشعراء الجدد من أصحاب النفس الحداثي يناقشون في قضية عدم اهتمام مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين وفعالياتها بالشعر الحديث واهتمامها فقط بالشعر العمودي المقفى التقليدي، ورأوا فيما يرى «المثقف الحديث» أن في ذلك ظلما للشعر بشكل عام، كونهم يرون ان الشاعر المثقف الحداثي مظلوم ومهمش، فلا هو ممن تتم دعوته لأندية الشعر الفصيح التقليدي المقفى المحمي بنخبة من الأدباء العرب ولا هو ممن تقبله منتديات الشعر الشعبي/ النبطي الجاذب للضوء.
***
أصحاب النقاش من أولئك الشعراء بدلا من ان يبنوا عالمهم الخاص الحالم بهذا الشكل الشعري الحديث يهاجمون الآخرين، وربما لأنهم لم يستطيعوا ان يؤسسوا أركانا حقيقية لعالم الشعر الحر الذي يحلمون به تجدهم ينشغلون بأمرين إما أن يقوموا بمهاجمة الشعر التقليدي والمؤسسات التي تحتضنه وترعاه وتحافظ عليه ويتهمونهم بالجمود والبعد عن التطوير والتحديث، او يقومون بمهاجمة الشعر الشعبي والاستخفاف به.
كنت خلال نقاشهم الذي احتوى هجوما على مؤسسة البابطين مستمعا لا مشاركا لأنني اكتشفت أن أصحاب هذا الطرح لا يؤمنون بتعددية الأشكال الأدبية ويرون ان الشعر كله شعر وان يختلط حابله بنابله وكوعه مع بوعه فقط لأنهم تم اقصاؤهم من هذه المؤسسة لأنهم يعزفون شعرا حديثا/ حداثيا/جديدا/ حرا ولا يعزفون الشعر التقليدي.
اعلم انهم ولأنهم مثاليون جدا في تفكيرهم وافلاطونيون يرون باتحاد الأشياء فالشعر بالنسبة لهم كله شعر، رغم انهم يكتبون شعرا عربيا جديدا لم يمض على عمر أول ظهور له الى العلن الـ 65 عاما بينما الشعر التقليدي عمره يتجاوز الـ 1500 عام بحد أدنى.
***
اهتمام مؤسسة البابطين بالشعر التقليدي الشكل والطابع والأوزان دون غيره من أشكال الشعر الحديثة هم فقط الأقدر على تبيان سببه، ولكن ما أحاول ان أشرحه هنا انه لا يحق لشعراء الشعر الحر الجديد ان يهاجموا مؤسسة تهتم بشعر تقليدي لا يجيدونه او لا يتعاطونه أو بالأصح لا يجيدون عزفه بشكله المعروف.
***
وسأحاول ان أبسطها لهم بقياس أعتقد انه قياس صحيح رغم البعد بالشكل، هم يعزفون الروك اند رول ولهذا النوع من الموسيقي أندية خاصة، أما مؤسسة البابطين فتقدم الموسيقى الكلاسيكية التي تعزف السيمفونيات والمقطوعات الكلاسيكية بعازفي الأوركسترا، ولا يمكن ان نتخيل ان عازف غيتار روك اند رول يقود اوركسترا تقدم سيمفونية لبيتهوفن، نعم كلها موسيقى ولكن هذا شيء وذاك شيء، لذا من الطبيعي الا تقبل مؤسسة البابطين بهذا الشكل الشعري حسب ما أفهم.
***
اختياري لموسيقى الروك اند رول لتكون قياسا تشبيهيا بالشعر العربي الحر الحديث لم يكن اعتباطيا، فالروك اند رول ظهرت كشكل موسيقي في أواخر الأربعينيات في الولايات المتحدة الأميركية، والشعر العربي الحديث «الحر والتفعيلة والنثر» بدأ ظهوره أيضا في أواخر الأربعينيات، الفارق الجوهري بينهما ان الروك اند رول تحول الى جزء من الثقافة الشعبية اليومية للأميركيين، بينما الشعر العربي الحر تحول الى شعر نخبة نخبة النخبة المنتخبة، فلا تفهم من معظم قصائدهم «ان صح تسميتها قصائد» سوى انها اقرب الى الطلاسم، وأذكر أنني واجهت احد كتبة الطلاسم الشعرية وسألته عنها قال: «نحن نكتب للمستقبل ولا نكتب لسكان الزمن الحاضر»، الله يعطيه العافية، نشر ابن الحلال عددا من الدواوين ولو عملت له اختبارا فيها لرسب فيه، هو نفسه ما يدري شقاعد يكتب.
***
توضيح الواضح: ألف مبروك للأديب الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين تكريمه على يد الرئيس البرتغالي بتقليده وسام الجمهورية لدوره في نشر الثقافة والسلام.
[email protected]