أغنية «يا دارة دوري فينا» لجارة القمر فيروز كلمات مطلعها تصور تصويرا دقيقا الحالة الكويتية الغاضبة اليوم من الشهادات المزورة، فالكلمات تقول «يا دارة دوري فينا ضللي دوري فينا... تا ينسوا اساميهن وننسى اسامينا»، وهذا ما يحدث فعلا اليوم، اليوم تثور ثائرة الجميع تجاه قضية الشهادات المزورة وتطرح أسماء وتظهر أسماء ويتم تداول أبطال لهذا النصر الفضائحي، وغدا تظهر قضية أخرى تسكن هواجس الكويتيين وننسى الشهادات الوهمية والأسماء التي ارتبطت بالقضية، قبلها قضية الإيداعات وما بينهما قضية اقتحام المجلس ومع تلك وأخرى قضية الديزل وبينها في زوايا ذاكرتنا الشعبية الغاضبة الاختلاسات والحيازات الزراعية، بل قبل أشهر كانت قضية الايقاف الرياضي والتي ما زالت حاضرة، بورصة القضايا التي تشغل الناس تماما كالبورصة العادية تصعد أسهم قضية وتهبط أسهم قضية اخرى، وتتكرر بانطباق مطلع أغنية فيروز «يا دارة دوري فينا».
****
سننسى الشهادات المزورة، وقريبا ستظهر قضية أخرى، وننسى السابقة وننشغل بها وتكون حديث سمرنا في الدواوين، ولكن هل هذه القضية تحديدا يمكن ان يكون أمر إثارتها مؤامرة حكومية لإلهاء الناس؟!
****
أتذكر أنني شاركت في فيلم وثائقي جامعي اسمه «الإلهاء» وكان محوره الأساسي كيف تتم عملية إلهاء الشعب بإثارة قضية جانبية لإبعاد أنظارهم عن قضايا سياسية، وكنت ضيفا رئيسيا في الفيلم وتحدثت عن هذه القضية، قضية الإلهاء وكان حديثي يتمحور حول كيف كانت الحكومة بداية الألفين تثير قصية الأحمال الكهربائية واحتمال انقطاع الكهرباء لشغل الناس عن قضايا اهم يومها، ولكن الحقيقة انه بتتبع خط سير قضية الشهادات المزورة إعلاميا يتضح أنها ليست خدعة الهاء على الإطلاق، بل إنها قضية متنامية خطيرة بدأت تظهر منذ الألفين وتمت إثارتها أكثر من مرة وظهرت أكثر من مرة ونوقشت عشرات المرات حتى وصلت أخيرا ذروتها وأصبحت أمرا لازم النقاش وأمرا بجعل الجهات المعنية تتحرك لمواجهتها وهو ما يحصل اليوم بين التعليم العالي والداخلية ومؤسسات المجتمع المدني والمهتمين وكان لا بد ان تنتهي هذه النهاية فان تتحول الى قضية رأي عام ملحة دون تدخل من احد او مؤامرة حكومية، الطبيعي ان تنتهي الى ما انتهت اليه مما نراه اليوم من كشف كامل لإبعاد القضية نظرا لخطورتها، وإثارتها إعلاميا ليست أبدا مؤامرة الهاء كما يتوهم البعض بل انها قضية بحجمها وحجم خطورتها فرضت نفسها وأصبحت معالجتها قضية ملحة.
****
ومحاولة تصوير ان قضية الشهادات المزورة هي قضية الهاء تمارسها الحكومة أمر مردود عليه، أولا الحكومة لا تملك هذا الفكر الخارق لعملية إلهاء بهذا الحجم، وثانيا أن القضية تفرض نفسها لأنها تمس الأمن الوطني ككل بوجود مزورين يتولون مناصب ومراكز قد تؤدي الى كارثة حقيقية في حال استمرارهم والناس والمغردون استشعروا هذه الخطورة بدليل أن القضية «ترند» على وسائل التواصل لأكثر من 10 أيام، اذن هي ليست قضية عابرة أو قضية ستنتهي بـ «يا دارة دوري فينا»، بل ستنتهي بما يجب ان تنتهي فيه من وقف وإغلاق باب الشهادات المزورة ومحاسبة المزورين ومن سمح لهم.
****
طبعا تشكيل الحكومة للجنة تحقيق في هذه القضية ليس كافيا، بل يجب على الحكومة ان تتعامل بشفافية مطلقة مع هذه القضية وان تعلن أولا وقتا محددا وواضحا لإعلان كل ما ينتج عن لجنة التحقيق وان تصدر تصريحات دورية وواضحة بأسماء المتورطين بالشهادات المزورة وأسماء المزورين أيضا.
****
قضية الشهادات المزورة حدث فرض نفسه، ولم يفرضه احد وكل من يتفذلك ويقول ان هذه القضية أثيرت لإلهاء الناس فهو شخص لا يفقه بالإعلام ولا يفهم بالسياسة الكويتية وحتما لا يعرف مدى محدودية التعاطي الحكومي مع قضايا كبيرة، وهو شخص يؤلف من خياله ويعيش في عالم خيالات نظرية المؤامرة أو انه شخص يستغل هذه الفكرة المؤامراتية لغرض سياسي خاص وهو الأقرب للصحة.
[email protected]