البعض وللأسف الشديد يتلبسه جني اسمه «المؤامرة»، فكل شيء يحدث أو يثار فجأة يعتبره جزءا من المؤامرة.
وهذا الهوس لدى البعض الذي يرى كل شيء يحدث من حوله جزءا من مؤامرة كبيرة تحاك من حولنا.
فكل خبر يخرج ويصبح حديث الناس يعتبره تغطية لحدث ما يجري، بل انه يقيس الأمور وفق نظارة المؤامرة السوداوية.
****
هؤلاء الأشخاص ممن يسكنهم هوس نظرية المؤامرة يرون كل شيء من باب ضيق يجعل حكمهم على الأشياء ناقصا أو خاطئا معظم الأحيان، ولأنهم لا يعرفون حقيقة «الإعلام» فهم يفسرون الأشياء وفق معطيات وهمية، فتأتي أحكامهم على الأشياء تفتقر لأدنى المقومات المنطقية.
****
أصدرت الحكومة قرارا بتحديد ساعات العمل، ليتناوله الناس في هاشتاق بتويتر، وهذا أمر طبيعي، ولكن المهووسين وحدهم وجدوا ان هذا الهاء حكومي عن شيء اكبر، ليشغلوا الناس به، قضية الشهادات المزورة ثارت وأصبحت «ترند» في مواقع التواصل، وفجأة قام المسكونون بنظرية المؤامرة وربطوها بتحرك حكومي وان الحكومة اخرجت أرنب الشهادات المزورة لإشغال الناس عما هو اكبر، وهكذا تستمر تفسيراتهم وربط حدث خبري يتسيد اهتمام الرأي العام بانه جزء من نظرية لإلهاء الناس.
****
في الحقيقة عشاق ربط الأشياء غير المترابطة اصلا لينسجوا منها خيالات نظرية المؤامرة يتعمدون استغفال الناس، فهم ينسون أو يتناسون ان فكرة الإعلام أو فكرة تناول الناس للأخبار تتم وفق آلية بسيطة جدا، فالحدث أي حدث حادث أو جريمة أو فضيحة تنطلق بين الناس كخبر وتصبح مشاعا ومثار حديث الناس ليوم ويتناولها الناس يوما أو يومين حتى تصبح «خبرا قديما» ثم يأتي خبر آخر وقضية اخرى ويجري وراءها الناس ويتداولونها حتى تفقد طعمها من كثرة «اللت والعجن» بألسنتهم ثم تأتي أو يأتي خبر آخر يصبح مثار اهتمامهم وهكذا هي طريقة دوران الأخبار مع الناس أو دوران الناس وراء الأخبار، غالبا لا توجد نظرية مؤامرة، بل أخبار تفرض نفسها تأتي وتختفي ويأتي غيرها.
****
لا توجد مؤامرات، توجد دورة خبرية اعتيادية يومية تلامس الناس فيتداولونها وتصبح مثار اهتمام الرأي العام، خبر جديد يتسابق الناس لنشره فيما بينهم ومن ثم يتسابقون للتعليق عليه وإبداء آرائهم ثم يحللون ثم يصلح خبرا قديما، ويأتي غيره في اليوم التالي.
أخبار تشغل الناس لساعات وأخرى ليوم وبعضها ربما يستمر أسبوعا، حسب حجم وطبيعة الخبر ومدى تأثير محتواه على الناس وحجم الشرائح التي يمسها، لا توجد مؤامرات.
****
ومن يقل ان الحكومة تسرب أخبارا وتجاوزات حكومية أو شهادات هي مسؤولة عنها للتغطية على حدث ما أو معاهدة أو صفقة أو مناقصة فهو واهم بالطبع لأنه اولا وكما ذكرت يعيش وهما مؤامراتيا غير موجود، ثانيا وهو الأهم ان حكومتنا لا تملك العقلية الكافية والرؤية لنسج مؤامرة من أي نوع فشغلها كله وكما نعلم يسير بالبركة و«دعوات الوالدين».
[email protected]