لا يوجد لدي أعذب من صوت عبد المجيد عبدالله ولا أرق من صوت فيروز ولا أصدق من صوت أبو بكر سالم ولا أعرف صوتا أسكنته الكثير من ذكرياتي أكثر من صوت يوسف المطرف، ولا يطربني شعريا سوى نزار قباني ولا يحرك مارد الشعر بداخلي كما يفعل سيد الشعر أبو الطيب المتنبي.
تعلمت تجويد القرآن الكريم على صوت الشيخ علي الحذيفي، وأحببت صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد صغيرا، وبدأت أولى سنوات إدراكي بحضور خطب كل من الشيخ أحمد القطان والاستماع لأشرطة الشيخ عبدالحميد كشك ولم أغبط أحدا على حسن صوته بالتلاوة سوى الشيخ محمد البراك.
قرأت لسيد قطب ولفتحي يكن ولحسن أيوب ولعمر سليمان الأشقر وأعجبت كثيرا بـ «معالم في الطريق» و«ماذا يعني انتمائي للإسلام» و«آداب السلوك الاجتماعي في الإسلام» وكتب «سلسلة العقيدة» ومزجت قراءاتي تلك بمشاركات فاعلة في مخيمات «شبه عسكرية» أواخر الثمانينيات وكنت أرى يومها «متأثرا» أن أعظم الجهاد هو الجهاد في أفغانستان.
على ذات الجانب حرصت على قراءة جميع روايات عبدالرحمن المنيف وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وقصص يوسف إدريس وجميع مسرحيات لينين الرملي المكتوبة، محمود السعدني كنت أحرص على اقتناء كل ما يؤلفه من كتب يجمع فيها مقالاته، كما قرأت للدكتور فرج فودة الذي اغتاله الظلاميون في لحظة كفر بالحياة.
في الحالة الأولى لم أتحول إلى متشدد أبحث عن برج أوجه له طائرة وفي الحالة الثانية لم أتحرر تماما من المحافظة وكان للبركة والبركة وحدها دور كبير في بقائي على خط اعتدال متزن.
شددت الرحال لأطهر بقاع الأرض ولكنني أيضا جلت في عواصم أبعد ما تكون عن الطهر من منظورنا الديني والاجتماعي حيث تملأ الأصنام ميادينها وتفتح حاناتها حتى ساعة متأخرة من الليل بل تصل الليل بالنهار.
في كل حالاتي التي تعد تناقضا صريحا في عرفنا الكويتي الخاص وفي تعريفنا العربي العام كنت إنسانا في الدرجة الأولى تلقيت تربية محافظة ولا أقول دينية رغم أن جدي كان خطيبا، في كل حالاتي كنت «خووش وليد» أحاول أن أسير بجانب حائط الأخلاق ما استطعت، والدي سمح لي بالسفر وحدي وأنا لا أزال مراهقا، وكان يراهن على تربيته وأعتقد أنه كسب الرهان والبركة في البركة.
كنت أنتمي لجماعة الشعر والإذاعة في المدرسة وفي ذات الوقت كنت أحصل على عقاب الفصل من المدرسة ليوم أو ليومين كل شهر أو شهرين حسب نشاطي مع جوقة المشاغبين الذين كنت أنضم إليه كعازف غير متمرس في عصابة سيمفونيات مشاغبتهم البريئة رغم أنني في الأصل شخص هادئ جدا.
في التاسعة عشرة من عمري امتلكت مخيمي الخاص وسيارة رياضية ولم أسجل مخالفة واحدة، شاركت في حرب تحرير الكويت كجندي متطوع وخدمت في التجنيد وكنت من بين أكثر 10 استحقوا جائزة «أكثر شخص طق الطوفة» من بين أبناء دفعة تجنيد 34 عصيت الأوامر وعوقبت وحجزت وسجنت خلال فترة تجنيدي.
في كل ما قلته لست مختلفا عن عشرات الآلاف من الشباب الكويتيين سواء من الجيل الأسبق أو السابق الذي انتمي إليه أو الجيل الحالي، كلنا لدينا مغامراتنا وأخطاؤنا وأحلامنا تحقق منها شيء وفشلنا في تحقيق أشياء، والغالبية كان للبركة دور كبير في ألا يحيدوا عن جادة الصواب وأثر التربية المحافظة.
خلال الفترة الزمنية التي عرضتها على عجالة كمقتطفات فلاشات سريعة من شريط حياتي أتذكر أنني مررت كما مر جيلي على مجالس 1985 والوطني 1990 «سيئ الذكر» و1992 و1996 و1999 و2003 و2006 و2008 و2009 ولا أتذكر أن أيا منها تطرق لعالم الشباب فإما استجوابات أو أسئلة وحملات ومقترحات هدفها التكسب السياسي أو استعراض عضلات فنشأت أجيال بأكملها على البركة تماما كما تسير مراكبنا السياسية على رياح البركة وردة الفعل أينما هبت ومن يقول أن أيا من تلك المجالس جعل الشباب مستقبل الأمة وثروتها يوما كعنوان عريض له فليواجهني بالتاريخ الذي لم يترك لنا من تلك المجالس المتعاقبة على امتداد رقعة 25 عاما مضت سوى بقايا صراعات سياسية لا نزال حتى اليوم نعد ضحاياها ونعد حطام ذكرياتها ونجترها كأنها الأمس.
[email protected]