4 ذبابات و3 كراسي حلاقة ومرآتان غير مصقولتين جيدا تعلوهما ذرات غبار ربع قرن من الزمان وأمواس حلاقة عمر أحدثها يتجاوز الـ 10 سنوات، ومجموعة ورود صناعية تعود إلى عصر ما قبل النهضة، تلك هي أبرز ملامح ديكور صالون الحاج سعيد الواقع في شارع أبوالفداء في منطقة الزمالك بالقاهرة، ورغم هذا الوصف الذي أوردته عن مدى تواضع الصالون الذي دخلته مضطرا لقربه من مقر سكني في القاهرة إلا أن صاحبه الحاج سعيد أقسم لي أن صالونه استقبل رئيسي وزراء سابقين وأنه كان يعتبر الحلاق المفضل بل والرئيسي لهما، صدقت الحاج سعيد رغم الحالة «الكسيفة» التي يعاني منها صالونه الصغير لسبب واحد هو أنني لم أجد سببا واحدا يدفعه للكذب علي، فلم يكن «يفشر» أو يستعرض على «مخي» علاقاته برأسي هرم السلطة التنفيذية في أكبر وأهم بلد عربي بل كان يروي تجربته معهما بشيء من التواضع.
روى لي خلال «تحسونة» لم تستغرق بين أنامله التي افتقدت لمستها السحرية منذ سنين طويلة عددا من الحكايات التي جمعته بالرئيسين السابقين، وكانت في مجملها حكايات حلاق بزبونين مهمين لا أكثر ولا أقل، لم يكن فيها ما يثير أو حتى يستحق الرواية ربما لهذا السبب صدقته، عدا في حكاية واحدة رواها أعتقد أنه بالغ بها نوعا ما، إذ قال لي: «كان أحد الرئيسين اللذين تعاملت معهما.. شخصا طيبا لكنه عصبي للغاية وفي يوم من الأيام وبينما أنا أقص له شعره في منزله قلت له: «يا بيه الشعب غلبان حرام اللي بتعملوه فيه وقراراتكم كلها ضد الشعب لازم تخفّوا شوية على الشعب»، ويقول الحاج سعيد كنت مندمجا في عرض مأساة الشعب ومعاناته وبينما انهمكت أنا في قص شعر رئيس الوزراء ولم أنتبه إلى أنني «ثقلت» القص وقمت بتقصير شعره بشكل أكثر من المعتاد إلى درجة أنني غيرت ملامحه بشكل يبعث على الضحك، وما أن نظر رئيس الوزراء إلى المرآة الصغيرة التي وضعتها أمامه حتى صرخ بي قائلا: «هو أنا ناقص المعارضة وبلاوي صحف المعارضة حتى تيجي انت يا حلاق الفقر وتعلمني ازاي أدير الحكومة.. مش لما تبقى تحلق كويس تيجي تديني محاضرة عن ازاي أدير البلد» ثم قام بطردي، وبعد أن انتهى الحاج سعيد من تلك الحكاية كان مقصه يعلن انتهاء عمله في شعري الذي وجدت أنه عمل بشعري تماما كما عمل بشعر رئيس الوزراء في قصته ووجدت أنه قص شعري إلى درجة أنني وجدت صعوبة في التعرف على نفسي لبعض الوقت، دفعت له أجرته وخرجت وأنا أقول في نفسي «ما هو لو كان صاحبك رئيس الوزراء يفهم جان دور حلاق يفهم»، والأهم أنه ولو كنت أنا شخصيا أتمتع بذرة تفكير سليمة وقتها لخرجت من صالونك حالما رأيت الذبابات الأربع يتبخترن فوق كوب الديتول الذي يعقم أمواس حلاقتك التي تعود إلى الدولة الفرعونية الثانية.
[email protected]