منذ الأسبوع الماضي ابتليت بمجموعة من العصافير الغبية والتي لا يحلو لها الزقزقة إلا في تمام الساعة الرابعة فجرا أي انها تبدأ وصلة غنائها المزعجة قبل توقيت العصافير المحترمة بساعتين، زقزقتها تطير النوم من عيني حيث لا يحلو لها الغناء و«السلطنة» إلا على شباك غرفة نومي، في اليوم الأول اعتقدت أن تلك العصافير حصل معها خطأ في التوقيت وأن أحدها ربما يكون ضبط ساعته على توقيت الخرطوم، ولكن الأمر تكرر في اليوم التالي، وفي الثالث والرابع، وفي الخامس قررت أن أستكشف سر الزقزقة المبكرة لعصافير النحس، توجهت إلى الشباك وعبثا حاولت أن أعرف السبب ففشلت.
اتصلت بأحد الأصدقاء وأبلغته الحكاية، وطبعا استخدم كعادته خزعبلات الجذب الكوني، وقال إن هذه العصافير ربما تحذرك من شيء ما وشرح كيف أن الحيوانات يمكن أن تستشعر الخطر القادم وخاصة الزلازل، وقبل أن يكمل بقية تحليله قاطعته موضحا أن الجهراء التي أسكنها لم تدرج بعد ضمن دائرة حزام الزلازل، وتركته يحاول الربط بين زقزقة عصافيري الغبية وظاهرة الاحتباس الحراري.
بعدها اتصلت بصديق يعمل في المستشفى البيطري التابع للهيئة وشرحت له الوضع بل إنني حتى سألته إن كان هناك شيء يسمى جنون العصافير، فما تفعله تلك العصافير فجرا هو الجنون بعينه فما من عصفور عاقل يمكن أن يزقزق قبل أن تشرق الشمس بساعتين، ليجيبني الصديق بأنه لا وجود في سجلات المستشفى لأي تحليلات لمثل تلك الظواهر فآخر ما يمكن أن يفعله المستشفى البيطري في الكويت هو تقديم ورقة تطعيمات للأغنام وعلاج كلب «حايشه برد».
في الطريق إلى العمل هاتفت صديقي المطوع، وعندما عرضت عليه حكايتي قال : «يبدو أن عينا أصابتك أو ربما عمل» طبعا لم أتركه ليكمل فأي عين هي تلك التي ستترك منزلي ولا تصيب إلا شباك غرفة نومي، طيب لماذا لم يقل إنها عين جماعية أصابت العصافير المسكينة بلوثة عقلية أضاعت تقديرها للتوقيت السليم، أو ان عصفورا ناقما عمل لها سحرا وجعلها تتوه في الوقت، لم أنتبه كثيرا لخرافات صاحبنا.
وصلت إلى عملي وعرضت الأمر على أحد الأصدقاء الذي يفاخر بليبراليته فاستشاط غضبا وكأنني شتمته بعرضي لمشكلتي وقال: «الناس تموت بسبب الزلازل والأعاصير والفيضانات وتسجن بسبب آرائها وأنت تتحدث عن مشكلة بسيطة يا أخي سد أذونك»، طيب يا ليبرالي أفندي سأسد أذني، فهكذا هم الليبراليون دوما لا يجيدون سوى التنظير أما الحلول فهي آخر اهتمامات سعادتهم.
عرضت مشكلتي على أكثر من شخص لاحقا وكلهم اكتفوا إما بالضحك أو بتقديم نصائح «أخيب» من نصائح الخال سعيد الداعية لتحديد النسل بجملته الشهيرة «العزوة مش في العدد»، ولاتزال العصافير «المسحورة» على رأي المطوع و«سجينة الرأي» على رأي الليبرالي تزقزق يوميا في تمام الساعة الرابعة صباحا بتوقيت الكويت.
فجر أمس وبينما أنا استعد للنوم والعصافير «تتنحنح» للبدء بوصلتها «الغبية» انتبهت لأمر هام جدا، هو أننا جميعنا في الكويت نريد أن تتحول مشاكلنا الخاصة إلى قضايا رأي عام، جميعنا، أنا شخصيا جعلت من مشكلة عصافير منزلي «المسحورة» حديثا دائرا بين جميع أصدقائي لنهار كامل، ألا نفعل ذلك دائما؟ بل ان البعض منا يحاول أن يوصل مشاكله الشخصية إلى قبة البرلمان، أليست القروض الشخصية.. شخصية؟، المشكلة أن الإسلاميين لهم رأي والليبرالين لهم رأي والتجار لهم رأي والحكومة لها رأي وفي النهاية ستبقى مشكلتك التي أحلتها إلى رأي عام بلا حل، وتتحول إلى صدام إسلامي ليبرالي حكومي برلماني، وتبقى المشكلة بلا حل، أليست هذه الكويت؟!
[email protected]