أحمد صبري
لاتزال الأزمة التي فجرتها دول منابع نهر النيل السبع برفضها التوقيع على اتفاقية تقاسم المياه والتهديد بإقامة سدود لمنع وصول المياه لدولتي المصب (مصر والسودان) تلقي بظلالها القاتمة على أجواء الديبلوماسيةالإفريقية.
وقد أكد وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط أن اسرائيل تحاول منذ فترة إثارة الخلافات بين مصر والدول الافريقية، ووجه إنذارا شديد اللهجة لكل من يحاول العبث بالحقوق المائية المصرية ووصفها بخط أحمر لا تنازل فيه، مشيرا في الوقت نفسه إلى ان قضية اندلاع حروب بسبب مياه النيل ليست مطروحة رغم اشارته لوجود حالة من الشحن ضد مصر بدول المنابع تنطوي في معظمها على إيحاءات بأن مصر تحتكر مياه نهر النيل، لدرجة «أنهم يتحدثون عن إمكانية بيع مياه النيل لمصر باعتبارها مجرد سلعة».
ونقل موقع «محيط» الاخباري عنه قوله «صحيح أن هناك من يقول لنا إنكم تأخذون 55 مليار متر مكعب من مياه النهر التي يبلغ اجماليها 88 مليارا سنويا في المتوسط، لكن هذه نظرة سطحية جدا، لأن القانون الدولي يتضمن أسسا يتم بناء عليها توزيع المياه، منها مثلا وجود موارد مائية أخرى متاحة لدى الدولة وعدد سكانها بالإضافة طبعا إلى نمط الاستخدام التاريخي وما إلى ذلك من عوامل تصب كلها في صالح مصر من الناحية القانونية والأدبية والسياسية».
واضاف ابوالغيط ـ في حوار مع صحيفة «الجمهورية» المصرية السبت الماضي ـ «حرصنا على توضيح أن مياه النيل هي بمنزلة هبة إلهية لجميع الدول التي يسري فيها وليس لدول المنبع فضل كونها تقع جغرافيا في أعالي النهر، وبالتالي فالمياه الواردة منه هي حق طبيعي لا يمكن تغييره أو التنازل عنه. أخذا في الحسبان أن نهر النيل يمثل لمصر شريان الحياة لأن اعتمادنا الأساسي هو على مواردنا منه. بنسبة تفوق الـ 90%، بينما لا تعتمد عليه أي من دول المنابع التي تتمتع بوفرة كبيرة في المصادر المائية إلا بنسب ضئيلة وأحيانا نجدها لا تذكر».
وحول الاتهامات الموجهة لمصر بإهمال افريقيا وهو ما ادى إلى اندلاع هذه الأزمة، قال ابوالغيط «على مدار الفترة منذ مطلع الثمانينيات وحتى الآن تمد مصر قدر استطاعتها يد العون للأشقاء في مختلف ربوع القارة لدعم جهود التنمية وتحقيق الرخاء الاقتصادي والإخوة الأفارقة يعلمون ان مصر تستقطع من مواردها للمساعدة في تنمية القارة الأفريقية وتحسين مستوى معيشة أبنائها».
وأضاف «البعد الأفريقي يمثل أحد أهم أولويات عمل السياسة الخارجية المصرية، فلمصر 40 سفارة في أفريقيا. وتمثيل غير مقيم في 10 دول ويمثل عدد تلك البعثات ربع حجم التمثيل الديبلوماسي المصري تقريبا. مصر أحد أكبر المساهمين في ميزانية الاتحاد الأفريقي حيث تسدد 15% من الميزانية. وقد سددت مصر في موازنات الاتحاد الافريقي ما يقرب من 55 مليون دولار في الأعوام الأربعة الماضية».
وتابع «لا يمكن لأحد أن ينكر الدور المصري الرائد في مواجهة التحديات والمشاكل التي تواجه أفريقيا، فالدور المصري بارز في أغلب قضايا النزاعات في أفريقيا ومنها علي سبيل المثال الشأن الصومالي وفي جهود حل الصراع في الصومال وتحقيق الاستقرار في منطقة البحيرات العظمى وكذا أزمة دارفور وتساهم مصر في اغلب عمليات حفظ السلام في أفريقيا».
حروب بسبب مياه
وحول إمكانية اندلاع حروب بين بسبب مياه النيل، أكد ابوالغيط أنه بالنسبة لمصر مثل هذه الأمور غير مطروحة، وقال «نحن نتحدث عن تعاون بين دول الحوض وليس تناحرا ومواجهات من هذا النوع إطلاقا، لكن المطروح حاليا من جانب دول المنابع لا يمكن لمصر القبول به، خاصة أن مشروع الاتفاق الإطاري لم يتضمن أية إشارات لضرورة احترام الاتفاقيات القائمة. وبالتالي فإن التوقيع عليه سينهي سريان تلك الاتفاقيات، وكل هذه المسائل يتم التعامل معها سياسيا وديبلوماسيا وقانونيا وغيره».
وقال: مصر حرصت على التأكيد لدول المنابع والدول والجهات المانحة أن فتح الباب للتوقيع على مشروع الاتفاق معناه انتهاء المفاوضات بشأنه وبالتالي إعلان فشل مبادرة حوض النيل، وفي هذه الحالة ستقوم دول المنابع بالتوقيع منفردة وإنشاء جهاز خاص بها لا يختلف كثيرا عن المؤسسات القائمة بالفعل في إطار تجمع دول شرق أفريقيا.
وكانت تقارير صحافية ذكرت في وقت سابق أن تصاعد الأزمة بين دول منابع النيل السبع من جهة، ودولتي المصب (مصر والسودان) من جهة أخرى، أصبح يهدد الأمن القومي والمائي للبلدين مما ينذر بحرب مائية حقيقية وذلك في أعقاب فشل اجتماعات شرم الشيخ الأخيرة في تقريب وجهات النظر بين الفريقين.
وزاد من حدة الخلافات إعلان دول المنبع اعتزامها التوقيع بشكل منفرد على اتفاق إطاري جديد لمياه النيل، مستبعدة مصر والسودان من الأمر، ومعلنة رفضها لما طرحته الدولتان سواء من شروط للتوقيع على اتفاق جديد للمياه، أو للتوصل إلى حلول توافقية للأزمة من قبيل إنشاء مفوضية جديدة للنيل.
الدور الإسرائيلي
في سياق متصل، قال ابوالغيط «لا شك أن هناك مساعي إسرائيلية لدعم علاقاتها بالدول الأفريقية وهو أمر ليس جديدا، إسرائيل منذ فترة طويلة تحاول دعم تواجدها في تلك الدول، ويهمني هنا أن أوضح أن الحقوق المائية المصرية هي خط أحمر لا تنازل فيه وأن مصر تملك من الأدوات القانونية والسياسية والديبلوماسية ما يمكنها من الحفاظ على حقوقها. وأن أي محاولة للمساس بتلك الحقوق سنتعامل معها بشكل حاسم».
وكانت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الإفريقية، استبعدت الاسبوع الماضي ما يتردد حول وقوف إسرائيل خلف بعض المواقف المتشددة لبعض دول حوض النيل، وقالت «إنه يجب ألا نعتبر أن سعى أي دولة لتحقيق مصالحها يتعارض بالضرورة مع مصالحنا، ونضع ذلك كشماعة توقف تحركنا مؤكدة أن التواجد المصري في أفريقيا بصفة عامة أكبر بكثير وأقدم بكثير من التواجد الإسرائيلي موضحة أن مواقف الدول الإفريقية واضحة ودائما ما تصدر قرارات قوية من قبل الاتحاد الافريقي في هذا الإطار».
يذكر أن اسرائيل تواجه اتهامات بأنها كانت ولازالت تطمع بمياه النيل، خاصة وأنها كانت طالبت بتحويل مياه النهر من مصبه في البحر الأبيض المتوسط إلى صحراء النقب، وعندما باءت مطالبها بالفشل، لجأت الى إثارة الضغائن والاحقاد لدى الدول الافريقية ضد مصر، وأوعزت لهذه الدول بمطالبة مصر بإعادة النظر في الاتفاقيات التاريخية الموقعة بينها والخاصة بتقسيم مياه النهر.
وكانت وزارة الخارجية المصرية قد كشفت في اكتوبر 2009 أن إسرائيل وافقت على تمويل إنشاء 5 سدود لتخزين مياه النيل بكل من تنزانيا ورواندا، وكان نصيب تنزانيا من هذه السدود أربعة سدود، أما رواندا فسيكون نصيبها سدا واحدا. وأشارت إلى أن كلا من الدولتين ستنشئان هذه السدود دون إخطار مصر وأخذ موافقتها المسبقة.
دول حوض النيل
دول حوض النيل هي التي يخترقها النهر وتقع في حوضه ولها مصلحة في مياهه وتستفيد منها بأي صورة من الصور وهي دول المصب «مصر والسودان، ودول المنبع «إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي واريتريا بالإضافة إلى الكونغو الديموقراطية (زائير) سابقا». وهناك عدة اتفاقيات دولية تحكم توزيع مياه النيل بين دول حوضه حيث تقوم هذه الاتفاقيات على العرف والقوانين الدوليين.
وتعتبر دول حوض النيل من أكثر الدول اهتماما بالمياه وطريقة استغلالها على عكس دول حوض نهر الدانوب مثلا فهي تهتم بالملاحة في النهر أو دول حوض نهر الراين التي تهتم بحق المرفق والجوار.
معلومات عن دول الحوض
ـ مساحة حوض النيل 2.9 مليون كم2 أي 10% من مساحة افريقيا.
ـ يعتبر نهر النيل من أطول أنهار العالم إذ يبلغ طوله أكثر من 60000كم (6670)كم ذلك إذا بدأنا من منابع نهر كاجيرا.
ـ يتجه نهر النيل دائما نحو الشمال ويلتزم في هذا الاتجاه الشمالي باستمرار واطراد لا نظير لهما في أي نهر آخر للانحدار العام السطح الأرض.
ـ يربط النيل بين مناطق ذات حضارة بدائية وبين البلاد التي كانت في مقدمة العالم المتقدم كما تختلف الدول التي يضمها حوض النيل في الحضارات والسلالات والديانات واللغات.
ـ نهر النيل يصب في البحر المتوسط.
الاندوجو: هي كلمة تعني (الإخاء) باللغة السواحلية.. وهو تجمع إقليمي للدول المطلة على نهر النيل وهم الدول العشرة السابقة الذكر، هذه المنظمة تهتم أساسا بتنظيم الاستفادة من مياه النيل وتحقيق المصالح المشتركة بين دول الحوض في مياهه.
وكل دولة من الدول العشر المشتركة في حوض النيل لها أهميتها بالنسبة لمياه النهر كالآتي: إثيوبيا وإريتريا تمد النيل بنحو 84% من مياهه التي تصل مصر.
ـ أوغندا يقع بها منبع النيل من بحيرة فيكتوريا ولها نصف بحيرتي ألبرت وإدوارد ـ كينيا وتنزانيا تشتركان مع أوغندا في بحيرة فيكتوريا ـ الكونغو (زائير) تشترك مع أوغندا في بحيرة البرت ـ رواندي وبورندي حيث نهر كاجيرا أهم روافد بحيرة فيكتوريا ـ السودان يجري في أراضيها جزء كبير من النيل بالإضافة إلى روافده ـ من أكثر الدول اعتماد على نهر النيل تأتي في مقدمتها مصر ثم السودان ثم أوغندا على الترتيب أما بقية الدول فاعتمادها على النهر محدود لأن توجهها نحو المحيط ـ كينيا وتنزانيا تتجه نحو المحيط الهندي.
ـ الكونغو تتجه نحو المحيط الأطلسي.