أحمد صبري
استيقظ البريطانيون نهاية الأسبوع الماضي على عهد سياسي جديد مع أول حكومة ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية، أثمرها «زواج صيفي» لم يكن متوقعا بين حزب المحافظين.. حزب مارغريت تاتشر أيقونة اليمين، وبين «الديموقراطيين الأحرار»، ذوي النزعة اليسارية.
ورغم انه لم يكن هناك بد من تشكيل هذا الائتلاف لأن الانتخابات جلبت برلمانا «معلقا» لعدم فوز أي حزب بالاغلبية المطلوبة وهي 326 مقعدا، بعد ان حقق المحافظون 307 والعمال 258 والديموقراطيون الاحرار 57 من اصل 650، فإن البريطانيين يخشون من المصاعب المستقبلية التي قد تهدد هذا الائتلاف الحكومي لدرجة قد تعصف به سريعا، واكبر دليل على هذا ما قالته الصحافة البريطانية بأن «متاعب الزواج لم تبدأ بعد» في تعليقها على الصور الأولى لزعيم المحافظين ورئيس الوزراء الجديد ديفيد كاميرون ونائبه زعيم «الديموقراطيين الاحرار» نيك كليغ.
وقد يكون للبريطانيين الحق في تصور فشل «زواج «المحافظين والديموقراطيين الأحرار، خاصة إذا ما تذكروا الحكومات الايطالية التي يضرب بها المثل في قصر عمرها وذلك لعدم الاستقرار الذي يصاحب الائتلافات.. لكن التاريخ الأوروبي الحديث يزخر بأمثلة للحكومات الائتلافية المستمرة والناجحة في «فنلندا وألمانيا وايرلندا وهولندا»، تظهر أنه من الممكن تحقيق النجاح للتشكيل الحكومي البريطاني الجديد، وتعطي لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مبررا كي يأمل في أن يثبت أن المتشككين في نجاح الائتلاف على خطأ.
وهذا ما قاله المحاضر السياسي في جامعة دبلن سيتي اوين أومالي «إيطاليا حالة خاصة... لان إيطاليا تنتمي بصورة كبيرة إلى دول جنوب أوروبا، وأعتقد أن من المرجح بدرجة أكبر أن تتصرف بريطانيا بطريقة قريبة لدول شمال أوروبا وأن تنجح العملية».
الحكومة الايرلندية
تشكلت الحكومة الايرلندية الحالية -التي لا تحظى بشعبية في الداخل لكن كثيرا ما يضرب بها المثل في الخارج على كيف يمكن للحكومات أن تتصرف بشكل حاسم للتعامل مع مشكلة الديون ـ في صورة ائتلاف بين حزب برايان كوين المنتمي إلى حزب فيانا فول وحزب الخضر وحزب الديموقراطيين التقدميين الذي لم يعد له وجود حاليا والمناصر لرجال الأعمال والمستقلين.
والحكومة الايرلندية التي شكلها جون بروتون عام 1994 ضرب بها أومالي المثل على الحكومة الائتلافية الناجحة رغم انها معقدة أكثر من التشكيل البريطاني لأنها ضمت ساسة من ثلاثة أحزاب تمثل كافة الأطياف السياسية من اليسار إلى اليمين. وقال أومالي عن حكومة ايرلندا التي يرجع إليها الفضل على نطاق واسع في المساعدة على إرساء أسس الانتعاش الاقتصادي «كانت لديهم خطة إصلاح جذرية تم إصلاح الاقتصاد بموجبها وتم إصلاح الرعاية الاجتماعية بموجبها». ووفي نفس الاتجاه يقول محللون إن بلجيكا المنقسمة لغويا مثال على البلد الذي تتسم فيه الائتلافات بقصر العمر لكنهم يشيرون إلى هولندا المجاورة لإظهار أن بإمكان الحكومات الائتلافية أن تنجح.
ائتلافات هولندية ناجحة
ومنذ عام 1946 والحكومات الهولندية المتعاقبة تتخذ شكل ائتلافات من حزبين إلى خمسة أحزاب وكان الكثير منها يستمر ثلاث أو أربع سنوات وكثيرا ما كان رؤساء الوزراء يحصلون على فترة ولاية ثانية.
ورغم انهيار الإدارة الأخيرة في فبراير الماضي بعد خلافات عديدة بسبب المشاركة العسكرية في أفغانستان وقضاء رئيس الوزراء يان بيتر بالكننده ثماني سنوات مليئة بالمشاكل في منصبه، لكن قبل ذلك عمل فيم كوك رئيسا للوزراء لثماني سنوات وقاد ائتلافات مستقرة من الديموقراطيين الاشتراكيين والليبراليين والمحافظين.
وبقى رود لوبرز رئيس الوزراء السابق لكوك 12 عاما في منصبه ورأس لمدة خمس سنوات ائتلافا من اليسار واليمين.
أطول حكومتين في تاريخ فنلندا
كما تمكن بافو تابيو ليبونين رئيس وزراء فنلندا من 1993 إلى 2005 من الحفاظ على صمود ائتلافات تضم قطاعات واسعة أفرزت أطول حكومتين في تاريخ فنلندا منذ الاستقلال قبل 93 عاما. وقال يوها أكانن كاتب مقالات الرأي في صحيفة هلسينجين سانومات أكــــــبر الصحف الفنلندية «نحن في مرحــلة ركود ويـريد رئيس الوزراء أن يشرك أكبر عدد ممكن من الأحزاب في المسؤولية» مضيفا أن الائتلافات يمكن أن تكون مصدرا للاستقرار». ومضى يقول «يشكو الناس من أنه لم يعد يهم الطرف الذي تدلي بصوتك من أجله لأن كل الأحزاب تقريبا موجودة في الحكومة لكنها ميزة أيضا لأن الشؤون السياسية يعتمد عليها.. لن يكون هناك قدر كبير من المفاجآت».
من جانبه، قال هوجو برادي زميل الأبحاث في مركز الإصلاح الأوروبي إن عمر الائتلافات ربما يكون قصيرا لأنها كثيرا ما تتشكل لجعل البلاد تتجاوز فترات من عدم الاستقرار لكنه أشار إلى أن هذه ليست الحال دائما. وأضاف برادي «مع وجود الزعيم الملائم يمكن أن تكون تشكيلات مستقرة للغاية بمجرد أن تتجاوز فترة ما بين 18 شهرا وعامين يتم فيها الكشف عن كل نقاط ضعفها.. تصبح السلطة إدمانا.. يصبح الشركاء متعلقين بها ويبقون».
وهذا ما اكده أومالي من جامعة دبلن سيتي أيضا قائلا:إن نجاح الائتلافات يتوقف كثيرا على العلاقة بين زعماء الأحزاب المشتركة بالائتلاف. وأضاف أومالي «عندما يتمكن الزعماء من الاستمرار يمكن أن تنجح الائتلافات بشكل جيد للغاية ويمكن أن تستمر لفترة أطول من متوسط عمر زيجاتنا»، مؤكدا إن من العوامل المساعدة على صمود تلك الحكومات ربما يكون الافتقار إلى الشعبية والخوف من الحاجة إلى إجراء انتخابات مبكرة. وتابع «عندما تتولى حكومة ائتلافية السلطة يعمد الشركاء إلى الانكفاء على الذات وحماية بعضهم بعضا. عادة ما ينجح هذا الأمر عندما تكون فرص الانسحاب محدودة للغاية حتى أن عملهم معا يصبح أفضل». وفي المانيا تمكنت المستشارة انجيلا ميركل رغم العراقيل من القيام بمهمة صعبة بين 2005 و2009 وحافظت على تماسك ائتلاف من الحزبين الرئيسيين في البلاد من جانبين متناقضين في الساحة السياسية.
وبالنسبة لبريطانيا فإن المجهول الأكبر هو الخاصية التي اشتهرت بها في نظامها السياسي القائم على المواجهة الذي ربما لا يلائم بصورة كبيرة الحكومات الائتلافية.
وهنا يقول برادي «دائما ما يشكو البريطانيون من مثالب الصفقات السياسية لكن أليست هي جزءا أساسيا من حياتنا اليومية وحياتنا السياسية على وجه الخصوص؟ كنت أشعر بالحيرة دائما نتيجة استياء البريطانيين من الصفقات».
لكن الخصمين السابقين زعيم المحافظين ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون ونائبه زعيم «الديموقراطيين الاحرار» نيك كليغ وفي أول مؤتمر صحافي مشترك بينهما تحليا بروح التحدي وقالا إن الهدف المشترك وحّد مستقبلهما وأنهما سوف يمضيان فترة الولاية كاملة ومدتها خمس سنوات.. فهل سيتحقق ذلك فعلا؟
تشكيلة الحكومة البريطانية الائتلافية
فيما يلي تشكيلة الحكومة الجديدة لتحالف «المحافظين» و«الديموقراطيين الأحرار»:
- ـ رئيس الوزراء: ديفيد كاميرون (محافظون)
- ـ نائب رئيس الوزراء: نيك كليغ (أحرار)
- ـ وزير الخارجية والكومنولث: وليم هايغ (محافظون)
- ـ وزير المالية : جورج اوزبورن (محافظون)
- ـ وزير العدل : كينيث كلارك (محافظون)
- ـ وزيرة الداخلية والوزيرة المفوضة للمرأة والمساواة : تيريزا ماي (محافظون)
- ـ وزير الدفاع : ليام فوكس (محافظون)
- ـ وزير التجارة والتجديد والكفاءات : فينسي كيبل (أحرار)
- ـ وزير العمل والتقاعد : ايان دونكان سميث (محافظون)
- ـ وزير الطاقة والتغير المناخي: كريس هوهني (أحرار)
- ـ وزير الصحة : اندرو لينسلي (محافظون)
- ـ وزير التربية : مايكل غوفي (محافظون)
- ـ وزير الجماعات المحلية : اريك بيكليس (محافظون)
- ـ وزير النقل : فيليب هاموند (محافظون)
- ـ وزيرة البيئة والأغذية والشؤون الريفية : كارولين سبيلمان (محافظون)
- ـ وزير التنمية الدولية : اندرو ميتشل (محافظون)
- ـ وزير ايرلندا الشمالية : اوين بيترسون (محافظون)
- ـ وزير اسكتلندا : داني الكسندر (أحرار)
- ـ وزيرة بلاد الغال : شيريل غيلان (محافظون)
- ـ وزير الثقافة والألعاب الاولمبية والإعلام والرياضة : جيريمي هونت (محافظون)
- ـ وزير مفوض للخزانة : ديفيد لويس (أحرار)
- ـ رئيس مجلس اللوردات : لورد توماس ستراتكلايد (محافظون)
- ـ وزيرة مفوضة بلا حقيبة : البارونة (سعيدة حسين) وارسي (محافظون)
وزراء مفوضون يشاركون في اجتماعات الحكومة:
- ـ وزير دولة لدى مكتب رئيس الوزراء: فرنسيس مود
- ـ مساعد وزير دولة لدى مكتب رئيس الوزراء: اوليفير ليتوين
- ـ وزير دولة للجامعات والعلوم: ديفيد ويليتس
- ـ زعيم مجلس العموم : جورج يانغ
- ـ المسؤول البرلماني للخزينة ورئيس الكتلة البرلمانية: باتريك ماكلوكلان.
كما يشارك في اجتماعات الحكومة:
- ـ المستشار القانوني للحكومة: دومينيك غريف.