إعداد: أحمد صبري
لايزال الانقسام الفلسطيني رهينا للنزاعات الدولية والإقليمية، خاصة بعد ان تحولت الخصومة التقليدية بين أكبر حركتين فلسطينيتين «حماس» و«فتح» الى مواجهات عسكرية انتهت بطرد حماس لحركة فتح من قطاع غزة في يونيو 2007، ومنذ ذلك الحين تجلت كثير من الوقائع والأحداث الاجتماعية التي كان محركها الانقسام الفلسطيني
وبعد مرور ثلاثة أعوام على أحداث غزة، ونتيجة للخلاف الشديد والمتأصل بين «حماس وفتح» نجد أن هناك حكومتين للفلسطينيين، إحداهما تحت سيطرة «فتح» أو السلطة برئاسة محمود عباس في «مناطق الحكم الذاتي بالضفة الغربية التي تحتلها اسرائيل»، والأخرى في قطاع غزة المحاصر وحكمها لحركة حماس برئاسة خالد مشعل في الخارج واسماعيل هنية في الداخل. وعودة لأهم أسباب الخلاف بين فتح وحماس، نجد ان تمسك عباس بنهج سياسة محادثات السلام مع اسرائيل الذي ترفضه حماس على طول الخط، هو ما يؤجج النار بين الضفة وغزة اللتين ترمي محادثات السلام التي تجري بوساطة أميركية الى إقامة الدولة الفلسطينية عليهما.
بالاضافة الى ان هناك درجة كبيرة من انعدام الثقة بين الحركتين اللتين تتبادلان الاتهامات دوما باعتقال كل منهما نشطاء الأخرى وما هو أكثر من ذلك. وفي كل مناسبة يدعي الجانبان انهما يريدان استعادة الوحدة الفلسطينية، لكنهما يعيشان تضاربا واضحا يدور حول الجهة التي يودان منها التدخل «وسيطا» بينهما لإنهاء الخلافات المستحكمة، فبدءاً من مصر التي أخذت على عاتقها حل مشاكل القضية منذ القدم، ومرورا بالمملكة العربية السعودية التي أقسم طرفا النزاع الفلسطيني فيها امام بيت الله الحرام على الاخوة والوحدة ثم حنثا بقسمهما، وبالطبع مع عدم إغفال دور دول اقليمية كسورية في محاولة لم الشمل.. لكن كل هذه الوساطات لم تجد نفعا حتى الآن.. حتى جاءت قضية أسطول الحرية لتلقي بظلالها على القضية الفلسطينية من نافذة ضرورة كسر الحصار الاسرائيلي الجائر على قطاع غزة
حيث ولد احتمال تخفيف اسرائيل حصارها لغزة ضغطا جديدا على حركتي فتح وحماس لإنهاء خلافاتهما لكن احتمال استعادة الفصيلين المتنافسين الوحدة الفلسطينية قريبا يبدو بعيد المنال.
تألق تركي
وهنا يطفو على السطح سؤال: هل تسعى تركيا الى اغتنام فرصة تألق اسمها بين العرب في الوقت الحالي عن طريق مشاركتها القوية في اسطول الحرية وتحاول لم الشمل الفلسطيني؟ والسؤال الأهم: هل يستجيب الفلسطينيون لهذه الوساطة؟
من جانبه أحس رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بلمعان اسمه وحب الشارع العربي والإسلامي له فقرر التدخل سريعا في القضية الفلسطينية فقال: إنه يجب إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي.
وأضاف «حتى يتحقق السلام في فلسطين لابد من التغلب على المشاكل بين فتح وحماس، يجب الا تكون هناك انقسامات بعد الآن».
ومما لا شك فيه ان هذه الكلمات لاقت صدى بين الفلسطينيين الذين سئموا الاقتتال الداخلي لكن تحويلها الى واقع لن يكون سهلا.
ومن بين العقبات التي حتما ستواجه اردوغان اذا أراد ان يستمر في محاولة لم الشمل الفلسطيني انعدام الثقة العميق بين الطرفين واحتمال وجود مقاومة من دول أخرى بالمنطقة متدخلة بعمق في السياسة الفلسطينية ولا تريد التخلي عن نفوذها.
وقال جورج جياكامان أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت في الضفة الغربية «أعتقد أن تركيا تستطيع لعب دور لكنه محدود، والسبب ان للطرفين تحالفاتهما، وتحالفاتهما – مما لا يخفى على أحد - أهم من أي ضغط تركي». أما عن رأي الفصيلين الفلسطينيين المتناحرين وهل سيقبلان بوساطة رئيس الوزراء التركي فقد قال اردوغان إن حماس أعطت بلاده الضوء الأخضر للوساطة، مضيفا «قالوا نريد حل هذه المسألة، يجب أن نرى نفس النهج من فتح أيضا». من جانبه، قال عباس عقب محادثات مع اردوغان إنه يقدر جهود تركيا التي قال إنها ليست لديها «أجندات خاصة» في السياسة الفلسطينية، معبرا عن أمله في أن تضغط تركيا في اتجاه توقيع حماس على الورقة المصرية.
ليس سهلا أبدا
بعد هذه المواقف الايجابية من جميع الأطراف سواء من تركيا أو حماس أو فتح، هل من المتوقع ان ينجح اردوغان فيما لم ينجح فيه الآخرون، أغلب الظن ان هذا لن يكون بالسهل أبدا، فبالنسبة الى حماس نجدها قد اكتسبت قوة وازدادت جرأة بعد تخفيف الحصار الاسرائيلي على غزة ولهذا ستتخذ على الأرجح موقفا تفاوضيا أكثر تشددا في القضايا الرئيسية للأزمة الفلسطينية، ومن بين هذه القضايا مصير قوات الأمن التابعة لها والتي يبلغ قوامها نحو 13 ألف فرد ورفض الحركة الاعتراف باسرائيل.
وتنحي حماس باللائمة في إحباط مقترحات المصالحة الأخيرة على محاولات إجبارها على الاعتراف باسرائيل ونبذ المقاومة، وهي تلقي باللوم على الولايات المتحدة الحليف الأوثق لإسرائيل لإصرارها على هذين الشرطين.
وقال المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري عضو الوفد الذي طلب منه عباس لقاء قيادات حماس في غزة مؤخرا إن الحركة لا تستطيع الموافقة على الشرطين تحت أي ظروف.
مضيفا أن عباس وحماس مهتمان فعلا بأمر المصالحة وأن الأحداث الأخيرة ولدت زخما في هذا الاتجاه لكنه شدد على أن أطرافا دولية وإقليمية لايزال لها أثر سلبي.
وهذا ما يثير الدهشة فبالرغم من أن الشعب الفلسطيني صمد صمودا بطوليا في وجه أعتى قوة مجرمة في العالم، وقدم تضحيات وبطولات، لكننا نجده ضعيفا في مواجهة الأخطار الداخلية ومواجهة الذات والعمل على نقدها وكشف عيوبها ومثالبها.
فهذا التحدي من الأطراف الإقليمية والدولية في الشأن الفلسطيني لم تقابله بنى داخلية قوية رصينة توازيه في المقدار، بل ضعف داخلي مشين وعجز فاضح على مجابهة الأخطار الداخلية
أخيرا.. فلتفكر الأطراف المنقسمة والتي تحول دون وحدة الشعب الفلسطيني في الخطر المحدق بهذا الشعب.. فلتفكر حماس ألف مرة في هذا الانقسام وما آل إليه من نتائج تدميرية على هذا الشعب ولتعمل هي وفتح وجميع الفصائل من أجل نجاح المصالحة وإنهاء الانقسام بدلا من تلك الشعارات التي أصبحت لا تغني ولا تسمن من جوع وليخرج الشعب الفلسطيني من هذا النفق المظلم نفق الانقسام المدمر فهل من صحوة ضمير لإنقاذ الشعب الفلسطيني؟ هل من صحوة ضمير لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي المدمر لأرض السلام ولمهد الأديان السماوية ولأرض الزيتون ولبيت الله الأقصى؟