إعداد: أحمد صبري
لا أعرف ما إذا كان كثيرون في العالم.. لاسيما داخل منطقة الشرق الأوسط يتذكرون أن الرئيس الأميركي باراك أوباما.. قد تحمل معاناة السفر إلي القاهرة منذ عام مضى ليوجه خطابا للعالم الإسلامي من فوق منبر جامعتها.. أم لا؟!
يومها ألقى الرئيس باراك أوباما خطابا تاريخيا إلى العالم الإسلامي، يوم الثلاثاء الموافق 4 يونيو 2009، ومع ما قام به من استدرار مشاعر المسلمين من سرد بعض الآيات من القرآن الكريم والصلاة والسلام على الرسل، فإنه تكلم عن 9 مصادر للتوتر بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، يجب معالجتها، وكانت تلك النقاط بالترتيب الذي صاغه أوباما، هي: موضوع الجماعات المتطرفة ووجوب القضاء عليها، والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ووجوب حله، ومشكلة انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط، وموضوع الديموقراطية وما يتوجب توافره من مكونات لوجودها، ووجوب توافر حرية العقيدة، ومسألة التأكيد على حقوق المرأة، وعنصر أهمية تنمية التعليم، والتنمية الاقتصادية، وأخيرا دعم العلم والتكنولوجيا!
وبالفعل، وقتها رأينا كلاما يبشر بالخير، واستشعرنا منه بأن الأزمة التي خلقها العهد «البوشي» بين اميركا والعالم الاسلامي سوف تجد طريقها للحل، وأن المسلمين سيلقون معاملة طيبة خارج حدود بلادهم، لاسيما حينما أكد اوباما على أن الإسلام دين حضارة وسلام ووئام، ومن مصلحة الجميع أن يتقاربوا حضاريا وإنسانيا استنادا إلى أن كل مخلوق حر في اختيار العقيدة التي يؤمن بها؟ ولكنه للأسف لم يكن الا كلاما فقط استغرقت مدته 55 دقيقة، لكن 365 يوما لم تكن كافية لتحقيقه!
لهذا، ينتاب الأوساط الإسلامية الرسمية وغير الرسمية على حد سواء حالة من اليأس وفقدان الأمل في قدرة الرئيس الأميركي على الوفاء بوعوده، والتي ترجمها تراجع نسبة تأييده في استطلاعات الرأي الإسلامية والأميركية هذا العام والتي وصلت إلى مستويات متدنية مقارنة بنظيرتها في بداية حكمه.
ويرى المراقبون في الشأن العربي - وهم محقون في ذلك - أن رغبة الرئيس أوباما في تحسين العلاقات مع العالم الإسلامي ومعالجته للسياسات التي أدت إلى توتر العلاقات الأميركية معه لم تكن كافية لتحقيق تقدم ملموس في هذا المجال مما أدى إلى خيبة أمل لدى الكثيرين بالرغم من أن العديد في العالمين العربي والإسلامي يؤمنون بحسن نيته.
ويرى د.حسن أبوطالب المستشار بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية التابع لصحيفة «الأهرام» في حديث خص به «مونت كارلو» الدولية أن «الكثيرين في العالم كانوا يتوقعون اختراقات كبرى سوف يحدثها الرئيس أوباما». ويضيف شارحا صعوبة اتخاذ القرارات في بلد كالولايات المتحدة الأميركية: «الذين يدركون طبيعة صناعة القرار في الولايات المتحدة كانوا دائما يحذرون من ثورة التوقعات ويقولون إن أميركا هي بلد مؤسسات، وتحكمها قوى ضغط شديدة ومتسرعة في بعض الأحيان لكنها تعكس توازن قوى موجودا بين هذه المؤسسات المختلفة في التوجهات والمختلفة في الإمكانيات» وبين القرارات السياسية التي تتخذها الإدارة الأميركية.
ويرجع الخبراء والمحللون تحول الأمل والحماسة اللذين تولدا في العالم الإسلامي مع خطاب أوباما «التصالحي» في القاهرة إلى النقيض، لجملة من الأسباب، يتمثل أهمها في الآتي:
أولا: اهتمام أوباما منذ أول أيامه بإعادة تشكيل علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها خارجيا بعد فترة من التراجع، وإعادة الاعتبار إلى القوة الأميركية في نظام دولي يشهد جملة من التحولات تهدد مكانة وتفرد الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي في ظل صعود قوى دولية تنافس واشنطن على مكانتها الدولية وتسعى إلى الحلول محلها في مناطق تراجع نفوذها، ناهيك عن انشغال أجندته الانتخابية والرئاسية بجملة من القضايا الدولية كقضية الاحتباس الحراري ومنع الانتشار النووي والأزمة المالية العالمية.
ثانيا: إخفاق الرئيس الأميركي في إحداث انفراج في إحدى القضايا المحورية في تدهور العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي، فعلى رغم الجهود الأميركية في الضغط على الحكومة اليمينية الإسرائيلية لوقف النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية عموما والقدس خاصة، إلا أنها لم تؤت ثمارها حتى الآن. ومع اشتداد التأزم في العلاقات بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، كانت هناك تأكيدات أميركية أن هذا لا يعني التضحية بأمن إسرائيل ومصلحتها، وتأكيد أن العلاقات بين البلدين استراتيجية غير قابلة للانفصام، ناهيك عن تأكيد الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل حكومة وشعبا.
وفي حقيقة الأمر، تمتلك الولايات المتحدة من الأدوات التأثيرية (المعونات، التعاون العسكري، موقعها في مجلس الأمن...) ما يمكنها من التأثير في الموقف الإسرائيلي من التوسع الاستيطاني وعملية السلام التي أبدى أوباما اهتمامه بها منذ اليوم الأول له في الحكم، على عكس كثير من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه لا يركن إلى تلك الأدوات التأثيرية لأسباب ليس هنا مجال لرصدها.
وتزايد الإحباط الإسلامي من إمكان إحداث انفراج في ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي مع رفض واشنطن الصريح والواضح تقرير غولدستون حول الجرائم التي ارتكبت في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أوائل العام الماضي والتي تدين إسرائيل، بالإضافة الى غض نظر واشنطن عما فعلته إسرائيل بمجزرة «اسطول الحرية».
ثالثا: تراجع إدارة أوباما عن إقفال معتقل غوانتانامو وعن تقديم معتقليه للمحاكم المدنية، إذ شهدت الأشهر الماضية تقديم كثير من معتقليه لمحاكم عسكرية.
يثير تحول الأمل والحماسة اللذين تولدا بعد خطاب أوباما في القاهرة لخيبة أمل ويأس لدى كثير من الأوساط السياسية والشعبية في العالم ملاحظات رئيسة، تتمثل في الآتي:
أولا: إن تحسين صورة الولايات المتحدة وإعادة فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي ليست بمهمة سهلة، خصوصا أن الصورة السلبية لهذا البلد والمترسخة في عقول شعوب العالم الإسلامي لم تتكون بين عشية وضحاها ولن تزول بين ليلة وضحاها.
ثانيا: إن الولايات المتحدة ليس كلها باراك أوباما. فمازالت هناك داخل واشنطن قوى سياسية رافضة للتقارب الأميركي مع العالم الإسلامي وإعادة فتح صفحة جديدة معه يروج لها أقطاب من المحافظين الجدد وكثير من مراكز الفكر والرأي الأميركية ومنظمات اللوبي الإسرائيلي وأعضاء الكونغرس، وهي قوى فاعلة ومؤثرة في مؤسسة صنع القرار الأميركي.
إن «تطبيق» ما قاله أوباما في القاهرة موجها خطابه للعالم الإسلامي، هو الأهم، من مجمل الخطاب الذي استغرق حوالى 55 دقيقة، إننا نتمنى لو أن الرجل فعل ما قاله، وقام بخطوات ملموسة على صعيد تطوير العلاقات بجدية، حتى لا نفاجأ برئيس جمهوري جديد قادم ليستكمل أجندة «البوشيين»، المتمثلة لأجندة أميركا الحقيقية، ما لم تتغير الأمور على الأرض، حيث إن عدم الفعل من قبل أوباما، إنما يؤكد أن شيئا ما لم يتغير حقيقة!
وأخيرا اختم بجملة قرأتها قبل ايام تقول: إن أوباما، بعدم فعله لوعوده، إنما أكد على عروبته.. فنحن قوم نتكلم كثيرا ولا نفعل شيئا وربما علينا أن نشكر باراك حسين أوباما، لتضامنه معنا في عدم الفعل، على مستوى السياسات التي يجب أن تتبعها الولايات المتحدة لتحسين صورتها لدينا!