إعداد: أحمد صبري
«اننا لا نضغط على احد، ولا نتدخل في شأن تشكيل الحكومة لأن ذلك من شأن العراقيين، ونحن على مسافة واحدة من كل طرف، ودون ضغوط ننصح بالإسراع في تشكيل الحكومة من جميع الفرقاء».. بهذا الكلام بدأ نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لقاءاته بالقادة السياسيين العراقيين خلال زيارته المفاجئة التي قام بها الى العراق السبت الماضي والتي امتدت على مدى يومين.. ولكن هل زيارة بايدن الى العراق سوف تسرع من ظهور الحكومة العراقية الى النور لتنهي أربعة أشهر من الجمود بعد إجراء الانتخابات البرلمانية، وتجد الحلول المناسبة للعقبات والانقسامات الحادة بين الكتل السياسية وهي خلافات أحدثت في مجملها مشهدا سياسيا مضطربا بسبب اصرار اياد علاوي ونوري المالكي على أحقية كل منهما في تشكيل الحكومة؟!
وأيضا السؤال الذي يبحث عن اجابة هو: كيف تمارس الأدوار الخارجية تأثيرها على العملية السياسية في العراق، سواء باتجاه عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة، أو في اتجاه التعجيل بتشكيلها؟
المشهد المضطرب
المشهد المضطرب بدأ بعد إجراء الانتخابات البرلمانية في السابع من مارس حيث أسفرت عن فوز القائمة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق اياد علاوي بفارق مقعدين عن قائمة دولة القانون التي يتزعمها رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي.
ورغم فوز العراقية إلا ان عدد المقاعد الذي حصلت عليه وهو واحد وتسعون مقعدا لم يمكنها من الذهاب بمفردها لتشكيل حكومة ما أوجب عليها التحالف مع كتل أخرى لضمان الحصول على 164 مقعدا من مقاعد البرلمان وهو ما يمثل النصف زائد واحد من مقاعد البرلمان اي الحد الأدنى لضمان الحصول على الأغلبية البسيطة.
وبغياب نصوص دستورية واضحة تسبب موقف التحالف الذي أعلن عن تشكيله غداة الإعلان عن النتائج البرلمانية بين دولة القانون بزعامة نوري المالكي وقائمة الائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم والذي يضم الاحزاب الشيعية والذي حصل على سبعين مقعدا الى تعقيد المشهد السياسي العراقي برمته حيث يصر قادة التحالف الجديد على أحقيتهم في تشكيل الحكومة.. وفي المقابل يصر قادة «العراقية» بزعامة اياد علاوي على أحقيتهم هم في ذلك.
وبحسب الدستور العراقي فإن الكتلة النيابية الأكبر هي صاحبة الحق في تشكيل الحكومة، ويفسر قادة التحالف الجديد هذا النص لمصلحتهم بينما يعتبر قادة «العراقية» هذا التفسير انقلابا على الديموقراطية وعلى الاستحقاق الانتخابي ونتائج الانتخابات.
وبحسب الدستور فإن الكتلة التي ستقود عملية تشكيل الحكومة سيكون بإمكانها الحصول على منصب رئيس الحكومة الذي يعطيه الدستور صلاحيات شبه مطلقة باعتباره رئيس السلطة التنفيذية والقائد العام للقوات المسلحة.
ورغم الإعلان عن التحالف الجديد إلا ان قادة القائمتين الانتخابيتين لم يتمكنوا حتى الآن من نبذ خلافاتهم والاتفاق على الحد الأدنى الذي يضمن إبقاء تحالفاتهما قائمة. ولم تتمكن القائمتان من الاتفاق على تسمية مرشح لرئاسة الحكومة.
ففي حين تصر قائمة دولة القانون على اعتبار المالكي مرشحها الوحيد لرئاسة الحكومة فإن هذا الموقف جوبه بالرفض الشديد من قبل قادة كتل الائتلاف الوطني حيث يرفضون التجديد للمالكي لولاية ثانية.
زيارة مفاجئة
ومع استمرار تعطل العملية السياسية قام نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بزيارة مفاجئة للعراق يوم السبت الماضي التقى خلالها على مدى يومين أغلب قادة الكتل السياسية في محاولة وصفها كثيرون بأنها محاولة أميركية لإنهاء الجمود السياسي وإعطاء عملية تشكيل الحكومة دفعا جديدا.
ولم يدل بايدن خلال زيارته بأي تصريحات ولم يصدر عنه أي إعلان وهو موقف فسره مراقبون على انه مسعى أميركي لإظهار ان الإدارة الأميركية لا تتدخل في الشأن العراقي.
ورغم ان غالبية الاطراف العراقية ترفض في العلن اي تدخل خارجي في عملية تشكيل الحكومة واعتبار ما يجري شأنا عراقيا داخليا إلا ان أطرافا سياسية أخرى طالبت علانية الإدارة الأميركية بالتدخل «لحماية العملية السياسية والديموقراطية» في العراق بعد ان وصلت مساراتها الى نهايات مغلقة.
وأظهرت تصريحات مقتضبة لقادة عراقيين ان زيارة بايدن الى العراق تهدف الى حلحلة الجمود وإيجاد مخرج للازمة الحالية.
وقال جلال الطالباني خلال استقباله بايدن «سنبحث معه (بايدن) كل شيء، واعتقد ان اهم القضايا التي سنبحثها تتلخص في الوضع العراقي الحالي وحلحلة المواقف هنا».
وقال علاوي بعد اجتماع بايدن ان الطرفين تحدثا عن «اهمية استقرار العراق وتمنيا ألا تطول مسألة تشكيل الحكومة».
وقال بيان صادر عن رئيس الحكومة ان المالكي اكد لبايدن خلال لقائهما «ان الحوارات مستمرة بين الكتل السياسية لتشكيل الحكومة وقد اخذت جانبا جديا ومعمقا ونأمل ان يتم الاتفاق على المناصب السيادية قبل 14 من شهر (يوليو) الجاري موعد عقد جلسة مجلس النواب».
جداول زمنية دستورية
وتواجه عملية تشكيل الحكومة العراقية جداول زمنية دستورية حيث بات لزاما على مجلس النواب العراقي عقد جلسة يوم 13 من الشهر الجاري، وسيتعين على البرلمان اختيار رئيس له خلال الجلسة القادمة. وسيكون من المستحيل الاتفاق على رئيس للبرلمان دون التوصل الى اتفاق كامل يتم من خلاله تسمية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
وكان فؤاد معصوم وهو الشخصية الكردية التي تم اختيارها مؤقتا لرئاسة البرلمان باعتباره النائب الاكبر سنا قد اعلن قبل ايام انه يفكر في دعوة الكتل البرلمانية لعقد جلسة قبل يوم 13 من الشهر الجاري للبحث في آليات وحلول يمكن من خلالها الاتفاق على ما ستؤول اليه الجلسة.
ولم يصدر عن معصوم حتى الآن ما من شأنه تأكيد ان الكتل البرلمانية أبدت موافقتها على عقد مثل هذه الجلسة.
وامام استمرار هذا التعنت في المواقف فرن قادة «العراقية» و«دولة القانون» يعقدون لقاءاتهم والتي بلغت حتى الاربعاء الماضي أربعة لقاءات.
ورغم تأكيد مفاوضين ان المباحثات لم تتطرق حتى الآن الى تفاصيل تشكيل الحكومة أو الاتفاق على تسمية الكتلة التي لها حق تشكيل الحكومة الا ان بيانا صدر الثلاثاء الماضي عن مكتب رافع العيساوي القيادي في القائمة العراقية ورئيس فريق المفاوضات أكد «ان هناك توافقا كبيرا في الرؤى لدى الجميع وهناك رغبة حقيقية في تشكيل حكومة شراكة وطنية».
وقال النائب عن القائمة العراقية شاكر كتاب إن قائمة دولة القانون «بدأت تقترب شيئا فشيئا من القائمة العراقية».
وتصر القائمة العراقية على أحقيتها في تشكيل الحكومة. وكانت القائمة العراقية قد اعلنت ان مرشحها الوحيد لرئاسة الحكومة القادمة هو علاوي. وترفض القائمة الحديث عن اي مقترحات لا تعطيها الحق في تشكيل الحكومة.
من جانب آخر، قال روز نوري شاويس النائب في القائمة الكردستانية ورئيس الفريق الكردي في مفاوضات تشكيل الحكومة لـ «رويترز» ان القائمة الكردية ليست لديها تحفظات بشأن تسمية الكتلة الأكبر التي لها حق تشكيل الحكومة. لكنه قال ان شرط القائمة الكردستانية في الانضمام للكتلة التي سيكون لها حق تشكيل الحكومة «هو ان يكون لها مرشح واحد (لرئاسة الحكومة) ولديها برنامج حكومي يمكن التفاوض عليه».
ونهاية، هل يفعلها العراقيون ويبتعدون عن أهوائهم الشخصية وحتى يستطيعوا تشكيل الحكومة؟ أم تستمر عملية شد الحبل بين الأطراف العراقية المتصارعة الى أجل غير مسمى ويبقى الشعب العراقي بين الجار والمجرور فيضيع الخيط والعصفور وتضيع الديموقراطية الهشة؟!