- متري: تجاهل التنوع الثقافي العربي وتضخيم الخصوصيات سلوك في الطريق الضيق
-
بن عيسى: قوة السياسة والاقتصاد والمعرفة معيار يمنح الثقافة وجودها وجدارتها
أصيلة - بشرى الزين
أصيلة هي.. بتاريخها وبسكانها ومبدعيها وفنانيها، ومثقفيها وضيوفها.
المدينة البيضاء تفتح أبواب بيوتاتها المطلية بزرقة تضاهي صفاء سماء ليلها الساحر، هي الحاضرة الحالمة المستلقية أحياؤها على شاطئ «الأطلسي» تضرب بقدميها في مياه بحرها المتهادية لتذكر زائرها بأن التاريخ عبر الجسر وحطت نوارسه في أصيلة وتخاطب ضيفها بألحان العصر دون الرحيل عن أعماق المكان وتستعيد معه حكايات الأمس بأن أصيلة ليست جارة البحر فقط، بل محج للسياسيين والمفكرين والمثقفين والفنانين في منتدى الثقافات وملتقى الحضارات في مهرجانها السنوي الذي تجاوز عمر نشأته ثلاثة عقود.
والعارف بموسم «أصيلة الثقافي» لا يكاد يذكره حتى يسبقه اسم «أصيلة» التي منحها اشعاعا ثقافيا وسياحيا ذائعا وجعلها منارة للحوار الذي كرّس حقيقة ان الثقافة رافعة قوية لتداول القضايا العالمية الملحة ولا تقل شأنا عن العامل المادي المحض.
هكذا تلتقي جسور التسامح والحوار فوق بحر أصيلة التي تقع على مشارف المتوسط والمطلة على المحيط الأطلسي وقريبا من مضيق جبل طارق وهي معبر يذكر زائرها بزمان «الوصل بالأندلس» وبأن المغرب الأقصى كان ولايزال قلعة للتواصل مع العالم بعقل «متوسطي متسامح» وبأن أصيلة ميدان ينادي بكل اللغات كل سياسي ومثقف وفنان من وراء «الأطلسي» و«المتوسط» و«الخليج» للمشاركة واكتشاف مهرجانها السنوي الذي اصبح رمزا لتمازج ثقافي عالمي.
في الندوات التي احتضنتها برامج جامعة المعتمد بن عباد في مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية الصيفية وضمن موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ 32 برزت اختلافات القرار وتوحدت الرؤى وفي ندوة «حوار الثقافات العربية الواقع والتطلعات» لم تفتر خلالها جذوة النقاش المسؤول ولا أحس صاحب رأي أنه مقصى محروم من الصعود إلى المنصة لكي يفصح عن تصوراته ويدافع عن قناعاته. تقليد لم يحد عنه مهرجان اصيلة الحاضن للثقافات دون تصادم الخيارات والتوجهات.
صورة نمطية
الندوة التي ترأسها وزير الإعلام اللبناني طارق متري افتتحها بكلمته التي اكد فيها ان الحوار مثله كمثل التفاوض وليس فيه الغلبة للأقوى، بل إن الحوار هو انعكاس لحركة القوي ويحررنا من أسر علاقات القوى.
ورأى متري ان المتحاورين متكافئون مادام الحوار هو لقاء بين مختلفين متنوعين وسبيل للتحرر من الصورة النمطية المتمثلة سابقا في مقولة إن القاهرة تكتب ولبنان يطبع وبغداد تقرأ، لافتا الى نهضة ثقافية وفكرية لا تقل شأنا في دول المغرب العربي ودول الخليج العربية.
وتطرق الى انشغال الخطاب العربي بسؤال الهوية الذي يضمن لنا ثقافة متجانسة والخشية من التنوع ظنا بأنه سبب تفرقة أمة مشدودة الى وحدتها.
مبينا ان حوار الثقافات العربية ذو طابع بيني لا يذهب مذهب حوار أو صراع الحضارات مشددا على أن أهمية التنوع الثقافي تكمن في حماية التغيرات الثقافية وان نكون شركاء في ذلك الحوار الثقافي على الصعيد العالمي مشيرا الى ان تجاهل التنوع وتضخيم الخصوصيات سلوك في الطريق الضيق.
محدودية الحوار
وفيما أبدى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة محمد بن عيسى قناعته بمحدودية الحوار الثقافي العربي التي تعكسه ضآلة حجم معرفة بعضنا البعض تساءل كيف نتحدث عن الانتماء الى ثقافة عربية ونحن نجهل ثقافتنا القطرية، آخذا بعين الاعتبار ان لكل قطر عربي ثقافته وخصوصيته وفنونه التي مرت بفترات قومية ومؤثرات ثقافية اجنبية بسبب الاستعمار منذ بداية القرن الـ 19.
وإيمانا بأولوية مخاطبة ذواتنا وفهمها قبل توسيع مجال الحوار والتفكير في قضايا كونية دون ان يعني ذلك إلغاء الحوار والتواصل مع الآخر، فإن الإشكالية التي تواجه الثقافات العربية حسب رأي بن عيسى تكمن في كيفية التكيف مع الثقافة المعولمة وهي التي لا تنتسب الى أمكنة ولا تعترف بكيانات جغرافية، وكيف يمكن الاندماج دون الذوبان فيها.
ووقف بن عيسى في كلمته على حقيقة ان قوة السياسة والاقتصاد والمعرفة معيار يمنح ثقافة ما وجودها وجدارتها وهيمنتها التي بها يمكن ان تفرض الثقافة سيطرتها وتجذب اليها الآخرين برضاهم وطواعيتهم، بعيدا عن الاعتقاد بأن حماية الذات يمكن تحقيقها عبر الانغلاق والتحصين، داعيا الى انفتاح مبني على اساس المواءمة بين المقومات الأصلية والوعي بالاستفادة من جوهر فكر العولمة واستيعاب مقولة «التنوع في الوحدة».
الاعتراف المتبادل
وإذا كان الحوار في المفهوم العام يلتصق بالتسامح لفتح باب هذا الحوار فإن المفكر والباحث اللبناني علي حرب توصل الى ان هذا التسامح يلغم الحوار ويطفئ بابه والإقرار بأخطاء أحد الطرفين لذلك يجب كسر هذا المفهوم على قاعدة الاعتراف المتبادل حيث يتزحزح أحد الطرفين عن مركزيته والاعتراف بنسبية الآراء.
ورأى حرب ان الحضارة واحدة في حين ان الثقافة المزدهرة هي مصدر لإنتاج التنوع والتفرد في عصر معولم تختلط فيه الحدود بقدر ما تتعولم الهويات والمشكلات.
وساق في ذلك دلائل على ان العمل بثنائيات الأنا والآخر أو الإسلام والغرب أو الشرق والغرب في فروع المعرفة هو بمنزلة كماشات خانقة تشل الطاقة على التفكير بصورة حرة في عصر المفكر الرحالة وسوق عالمية واحدة للأفكار والمعارف.
وذكر انه لا عودة الى الوراء في ظل التحولات الحضارية المصاحبة للعولمة، موضحا ان هذه فرصة متاحة أمام العرب عليهم ألا يفوتوها بسبب الثقافة الأيديولوجية الأحادية الشمولية التي لا تنتج سوى العجز وتبقيهم على الهامش يجترون المقولات حول التقدم والحرية والهوية من غير ابتكار وتجديد.
وخلص حرب الى انه لم يعد مجديا الوقوف ضد سير العالم ومنطق العصر ولا يعني ذلك الإذعان للواقع بقدر ما يعني قراءة التحولات للانخراط في خلق الوقائع وانتاج الحقائق، ومن لا يحسن خلق الوقائع لكي يساهم في تغيير المشهد تهمشه الوقائع.
هوس بالهوية
أما الباحثة والناقدة المغربية رشيدة بن مسعود فترى ان المجتمع في خدمة العولمة من خلال التطور التكنولوجي الذي أحدثه الإنسان وانعكس على سوق العمل التي تقلصت فيها فرص الشغل وارتفعت نسب التسريح، إضافة الى الوقوف على مصير الشركات الكبرى.
وبينت ان مسألة الخصوصية حاضرة لدى الغرب مشيرة الى ان الأميركيين اكثر هوسا بالهوية الأميركية والتراث الأميركي.
ومع إقرارها بأن العولمة مسار تاريخي لا رجعة فيه إلا انها أكدت ان التعليم هو مفتاح أساسي لمواجهة سلبيات العولمة وتقوية الخطاب النقدي بإعادة الاعتبار الى مؤسستين مهمتين هما الأسرة والمدرسة.
حوار الصراع
الباحث المغربي عبداللطيف كمال ذهب الى ان الحوار يحمل في مفهومه صراعا مبطنا لنفوذ سياسي أو غيره من خلال توظيف الثقافة لتكوين ما يجرى في الواقع، لافتا الى ان المنظور الثقافي العروبي هو منظور متنوع وصراع سياسي بالدرجة الأولى ومظاهر تخفي الصراع على امتلاك مواقع داخل دوائر السلطة.
أما الإعلامي الفلسطيني خالد الحروب فتطرق الى ان التجربة التاريخية أظهرت فشل مشروع وحدة ثقافية حتى أصبحت كلمة الوحدة اليوم مخيفة أو مثيرة للاستهزاء والسخرية في عصر عرف إعلاما معولما وفضائيات عابرة للحدود حيث لا يمكن الحديث عن ثقافة مركز واخرى للمحيطة بل حضارة تتعامل مع الثقافات المختلفة بنوع من الثقة.
أدب الإمارات
الحركة الادبية في الامارات العربية المتحدة حققت وفي ظرف وجيز مكانة على الساحة الثقافية العربية من حيث الانتاج الادبي وتشجيع المهتمين به.
ووسط حديقة المدينة في ساحة سيدي بوخبيزه نصبت خيمة نادي التراث الاماراتي والتي حوت 600 نوع من اجناس الادب المختلفة تجسد المشهد الادبي في الامارات العربية المتحدة.
المدير التنفيذي لهيئة الثقافة والفنون في الامارات العربية المتحدة بلال البدور قال ان بلاده تمتاز بوجود مؤسسات ثقافية عديدة منها الرسمية ممثلة في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع والمحلية التي تتبع كل امارة واخرى اهلية وخاصة وجلها تحاول ان تعمل في صناعة الكتاب وتقديمه للقارئ للاستفادة من المعرفة بمفهومها الشامل.
وذكر البدور ان هيئة ابو ظبي للتراث والثقافة لديها برنامج لعدد من المبادرات الرئيسية في الامارات وهو «كلمة بالترجمة». اضافة الى احدى اصدارات مركز الامارات الذي يهتم بالدراسات الاستراتيجية.
وافاد بان الكتب المشاركة تقرر اهداء نسخة من كل كتاب فيها الى مكتبات المغرب حتى يكون الادب الاماراتي في متناول جميع القراء.
«الإبداع» لحنّا مينا
لم يكن الأمر سهلا للقاء مبدع اختار العزلة، لكن رصيده الروائي وإبداعه الفكري الإنساني رسم معالم الطريق نحو صنع الزمن الثقافي ولحظات محفزة على العمل المنتج وخط سبيلا لمشاركته الادبية.
عمل الروائي السوري الكبير حنا مينا كان حاضرا كمحتفى به في منتدى اصيلة وغائبا كضيف بذاته نظرا لظروفه الصحية لكن «المصابيح الزرق» أضاءت فضاء المنتدى فكان قرار لجنة التحكيم بأن الفائز بجائزة المرحوم الروائي المغربي محمد زفزاف هو الروائي السوري حنا مينا وقد تسلمتها نيابة عنه الشاعرة والملحقة الإعلامية في السفارة المغربية في دمشق وفاء العمراني التي كانت حلقة وصل بين مينا ومنتدى أصيلة.
ولم تنته لحظات الاحتفاء دون كلمة للروائي المكرم حنا مينا في فيلم مسجل نوه فيها بأصيلة ومنتداها الثقافي ورعايته ومحبته للمبدعين العرب جميعا ومساهمته في تلاقي المثقفين والثقافات، معربا عن شكره للقائمين وتقديره للجائزة السخية التي تخطت القول الى الفعل.