- سوق الحميدية معرض دائم للفنون التقليدية
دمشق ـ بشرى الزين
في كل حي من أحيائها وفي كل شارع تمر فيه وفي كل زاوية من أسواقها، التاريخ ينثر عبقه في أرجاء دمشق، أقدم عاصمة في العالم لحضارات تعاقبت على أرضها بدءا من الكلدانيين والغساسنة والآراميين والفينيقيين والآشوريين والبيزنطيين والرومان وانتهاء بالفتح الإسلامي.
شواهد هذه الحضارات والامبراطوريات تنطق بها آثار «الأرض الزاهرة والعامرة» دمشق التي تعود تسميتها الى أصول كلدانية عرفت ببساتينها وغوطتها ويروي جنانها نهر بردى الذي يقسم المدينة حاليا وتقع الأحياء القديمة على الضفة الجنوبية للنهر، فيما تحوي الضفة الشمالية العمران الحديث.
كانت دمشق على مدى تاريخها الطويل مركزا تجاريا هاما ولايزال سوق الحميدية الذي يتوسط المدينة القديمة شاهدا على العهد العثماني فترة حكم السلطان عبدالحميد الأول حيث بني في عهده في العام 1780، والسوق دائم الحركة برواده ومعروضاته المتنوعة سواء كانت من المصنوعات الأجنبية أو العربية التقليدية على طول السوق الذي يبلغ 600 متر مسقف بالحديد بعد تجديده، ويبدو السوق كمعرض دائم للفنون التقليدية ويبدأ التنزه في هذا السوق قرب قلعة دمشق الأيوبية وينتهي عند باب الجامع الأموي الكبير.
ويتفرع عن سوق الحميدية أسواق كثيرة يصل عددها الى أكثر من 20 سوقا متخصصا.
ويشتهر السوق الذي يؤمه أي سائح زار دمشق بالمصنوعات الجلدية والخشبية والألبسة العصرية والمطرزة.
ولا يفوت أي متجول في سوق الحميدية ان يقف أمام محال صنع «البوظة العربية» وهي تُدق مكوناتها على الطريقة التقليدية في صالون «بكداش» المشهور منذ نهاية القرن الـ 19 لدى الزائرين العرب والأجانب.
أما سوق البزورية فيشهد على شهرة الشرق بالتوابل والبهارات والحلويات الشامية والمجففات والشاي والبن، ويزخر السوق بالأوابد التاريخية وأهمها حمام نورالدين زنكي وخان أسعد باشا العظم، إن رؤية الصناع الفنيين يبدعون روائعهم بأدواتهم البسيطة في سوق مبنى التكية تشعر زائره بنفحات التاريخ تسطر على نقوش الصناعات الزجاجية والفخارية والعاجية والحلي ونسيج البروكار الدمشقي.
وغير بعيد عن المكان وفي الزاوية الشمالية الغربية من المدينة تنتصب قلعة دمشق الايوبية تنطق بملامح الصمود ضد التتار والمغول والفرنجة بمساحة تبلغ 33176م2 و12 برجا وتوجد فيها قصور وبيوت ومسجد الصحابي ابي الدرداء ومخازن وطاحونة للحبوب ويتقدم القلعة تمثال البطل صلاح الدين الايوبي وضريحه الذي يقع بين السوق وحي العمارة التاريخي.
ويحرص زوار دمشق على التجول في احيائها القديمة والتأمل في جمال عمارتها الآسرة التي تدل على اهتمام الدمشقيين بجمال مساكنهم التي تفننوا في زخارفها ونوافيرها وباحاتها وحدائقها الزاهية.
والمتجول في احياء دمشق القديمة تشد ناظريه الفنادق التي اخذت منها منازل للسياح فتحولت الى منازل ومطاعم تستهوي روادها، بعد ان تفنن اصحاب هذه الفنادق في تصميمها وتزيينها دون التخلي عن بنائها العربي القديم، وداخل رحاب سور دمشق توجد كنيسة حنانيا قرب الباب الشرقي والتي ارتبطت بقصة القديس بولوس واعتناقه المسيحية بمساعدة حنانيا، وذكريات رحلته الى انطاكيا وبعدها الى روما.
وبمحاذاة سوق الحميدية وعلى يسار الجامع الاموي تقع عين الزائر على المكتبة الظاهرية التي شيدها الظاهر بيبرس في عهد حكمه دمشق، صرح يبرز ان الشام حاضرة ثقافية وعلمية منذ زمن وتمتد الصروح الثقافية والمعرفية الى منشآت كالمتحف الوطني والمتحف العسكري وجامعة دمشق العريقة ومكتبة الاسد الوطنية ودار الاوبرا وعدد من المقاصد العلمية والفقهية والادبية المشهورة في التاريخ العربي والاسلامي.
وتظل دمشق وريفها مقصد السياح العرب والاجانب بمواقعها السياحية التي تمتد الى مصيف «بلودان» الذي يبعد عن مدينة دمشق بنحو 40 كلم غربا، وبارتفاع يبلغ 1500م عن سطح البحر تقف هذه على مشارف جبل الشقيف بيضاء تتلألأ شتاء مغطاة بكساء الثلج الذي يغري زوارها في هذا الفصل ويجدون في «بلد اللوز»، وهو الاسم المشتق منه «بلودان» الاسم الارامي القديم للمنطقة، ملاذا للسياحة الشتوية ومرتادي الجبال المحيطة بها لتتحول صيفا الى وجهة للسياح من دول الخليج العربي الذين يقبلون على بلودان وجارتها «الزبداني» حيث يجدون ما يفضلونه من حسن الاقامة في الفنادق والنزل والشقق والفيلات اضافة الى كرم الضيافة الذي تتميز به المطاعم المنتشرة في المدينتين.
وتعد بلودان والزبداني وجهتين مفضلتين لزائري دمشق الذين يقفون وقت النهار بين اسواقها وآثارها ومعالمها التاريخية ليعودوا ليلا الى المدينتين حيث الاستمتاع بالطقس الجبلي الجميل الذي يبعث في نفوس المصطافين والسمار مشاعر الراحة والاقبال على المتنزهات والسهر واماكن الترفيه التي تعمر بها المدينتان.
كما لا تفوت زائر دمشق فرصة القاء نظرة على المدينة من على جبل قاسيون الذي يعد ملتقى العائلات الدمشقية مساء ممن يهوون قضاء ليلة بيضاء في مرتفعات هذا الجبل المطل على دمشق والاستمتاع بمنظر خلاب للمدينة المزدانة بالانوار، ويقضي السمار ليلهم برفقة عائلاتهم وخاصة في ايام نهاية الاسبوع حيث يجلب البسطاء من الدمشقيين كل ما يحتاجونه من وجبات ومرطبات وغيره رغبة في الابتعاد عن اجواء الحرارة التي تطبع المدينة في اشهر الصيف والاستمتاع بهواء الجبل اللطيف.
بسام رسام «بورتريه»
في زاويته التي اتخذها مرسمه منذ 20 عاما يجلس بسام رسام «بورتريه» بين نخلة وشجرة توت في حارة القباقبية يحاور فيها لوحاته بعدة تتشكل من 3 أقلام وعود قطن يرتب به رتوش رسوماته.
يصف بسام حالته بأنه فنان «ناكر لنفسه» يعشق الوحدة والانعزال، فأغلب المارة في السوق القديم يرى في عيونهم نظرة سلبية مادية بحتة تقول: «ما الذي جاء بك إلى هنا وهل الرسم يوكل خبز؟!».
لكن بسام يقول ان أي فنان ربط فنه بالمادة لن يكون صادقا مع ذاته ولن تكون لديه استجابة لحسه وإحساسه وتعاطفه مع الأشكال التي يرسمها.
الرسام الذي عاش حياة حرمان وجد في هوايته تحررا من القيود ولو في مساحة الورقة البيضاء التي ينقل عليها «تقاسيم» وجوه عابري الحارة ممن يستهويهم رسمه.
يربط بسام بين فنه ودينه وبين الرسام وعالم الدين، فالأول يرسم جمال الصورة التي خلق عليها الإنسان والثاني يستنبط الحكم الشرعي، وإن كانت لبسام نظرة خاصة ويد تستجيب للشكل بالفطرة ونقط ارتكاز يبني عليها ويستسلم لحالة «اللاوعي» التي تمتزج عنده بصدق الانفعال مع الذات.
كانت بدايات بسام مع الرسم في مرحلته الابتدائية حين كان يحمل رسوماته يوميا بجوار كراساته الى ان تفتقت موهبته في مرحلة الإعدادي وكان من المتفوقين جدا بين أقرانه، فالتحق بعد ذلك بالمعهد التكنولوجي لمدة سنتين كانتا كافيتين لصقل موهبته وإقامة أول معرض بدعم من المعهد، ولم تتهيأ العوامل بعدها لبسام كما لم تهيأ لغيره من الفنانين وهو يرى هجرة الرسامين وغيرهم من العالم العربي.