بقلم: إلياس فرحات*
في كلمة له في معهد بروكينغز في واشنطن قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إن «مفهوم حل الصراع في الشرق الأوسط القائم على دولتين، إسرائيلية وفلسطينية، بدأ يتلاشى» وعبر عباس عن قلقه مما وصفه بالوضع بالغ الصعوبة، ودعا إسرائيل إلى اتخاذ خطوات تظهر نواياها السلمية، مؤكدا أن «العرب والمسلمين ليسوا ضد السلام».
جاء كلام عباس بعد لقائه الرئيس باراك أوباما الذي أكد «أن السبيل الوحيد لإيجاد حل بعيد المدى للصراع في الشرق الأوسط هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة وضمان أمن إسرائيل»، كان عباس في كلامه هذا يلمح الى ان محادثات السلام الفلسطينية ـ الاسرائيلية المباشرة التي انطلقت مؤخرا مصيرها الانهيار لان اسرائيل لن توقف اعمال الاستيطان وهو بدوره لن يرضى بإجراء هذه المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان لانه بذلك يعطي شرعية لهذه الاعمال».
ومن المعروف ان المفاوضات الحالية تضع امامها هدفا هو حل الدولتين اي بمعنى اخر انشاء دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع دولة اسرائيل من دون أن تتحدد مرجعية واضحة مثل خريطة الطريق التي أصدرتها الرباعية الدولية أو قرارات الشرعية الدولية.
عناصر ثلاثة مهمة
ان مقومات الدولة الفلسطينية الموعودة هي مثل مقومات اي دولة: الارض والشعب والمؤسسات، ولانشاء هذه الدولة يجب ان تتوافر هذه العناصر الثلاثة:
1- الارض: وهي المحددة في اتفاقات اوسلو والمبادرة العربية للسلام وقرارات مجلس الامن لاسيما القرار 242 بالضفة الغربية (القدس الشرقية ضمنا) وقطاع غزة.انسحبت اسرائيل من قطاع غزة من جانب واحد وأزالت المستوطنات الا انها ما تزال تحتل الضفة الغربية وتقوم بأعمال الاستيطان وخصوصا في القدس الشرقية في محاولة لتغيير معالمها وتهويدها، اما عدد المستوطنين ومساحة المستوطنات فقد كشف عنها تقرير لمنظمة «بتسيلم» الإسرائيلية وهو أن عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية بلغ في الوقت الحالي نصف مليون مستوطن وأنهم يسيطرون على 42% من مساحة الضفة الغربية.
ووفقا للتقرير الذي صدر تحت عنوان «جميع الوسائل مشروعة: سياسة الاستيطان في الضفة الغربية» فإنه يعيش اليوم في الضفة الغربية نحو نصف مليون إسرائيلي، أكثر من 300.000 منهم يعيشون في 176 مستوطنة ونحو مائة بؤرة استيطانية تسيطر على نحو 42% من الأراضي في الضفة الغربية، أما البقية فإنهم يعيشون في 12 مستوطنة أقامتها إسرائيل في الأراضي التي ضمتها إلى منطقة نفوذ بلدية القدس.
وتتركز المستوطنات في اربع مناطق وثلاثة محاور وهي مناطق نابلس وفيها 48 مستوطنة ومنطقة القدس 28 مستوطنة ومنطقة الخليل وفيها 27 مستوطنة ومنطقة رام الله وفيها 27 مستوطنة، ومحوريا على المحور الشرقي في غور الاردن والمحور الغربي المحاذي للخط الاخضر ومحور عابر السامرة اي نابلس وقلقيلية وسلفيت اضافة الى حزام المستوطنات الذي ينتشر حول القدس.
هذه المستوطنات والطرق التي تصلها ببعضها البعض، كمساحة وخريطة انتشار جغرافي تعيق انشاء دولة فلسطينية ما لم تنسحب اسرائيل منها فكيف يجري انشاء هذه الدولة مع المزيد من الاستيطان؟!
ان شرط الارض لقيام الدولة الفلسطينية لا يبدو متوافرا حتى اليوم واذا كان البعض يفكر في اقامة دولة على القسم الذي لا توجد فيه المستوطنات من الضفة الغربية فان الانتشار الجغرافي الطولي والعرضي وعلى حزام القدس للمستوطنات يجعل من المتعذر قيام الدولة الموعودة.
حق العودة
2- الشعب: وهو الشعب الفلسطيني الموجود تحت الاحتلال في الضفة الغربية والقدس وفي غزة وفي الشتات.من المهم جدا ان يكون شعب الشتات جزءا اساسيا من الشعب المكون للدولة الموعودة وذلك لأن دولة اسرائيل قامت على انقاض شعب هجر من دياره قسرا وبالقوة المسلحة وارتكاب المجازر ولجأ الى الدول المجاورة اي الاردن وسورية ولبنان ومصر. لكن سخرية الاقدار جعلت من الذين لجأوا الى الضفة الغربية وغزة بعد طردهم من ديارهم يقعون تحت احتلال السلطة التي هجرتهم ولجأ قسم منهم الى الدول المجاورة مرة ثانية. ان عودة هؤلاء اللاجئين او منحهم حق العودة على الأقل، هو شرط أساسي لقيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة من دون ان تحمل بذور صراعات جديدة على خلفية المطالبة بحق العودة.لا نجد راهنا في طروحات السلام الدولية أي إشارة ايجابية لحق العودة رغم ان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 قد نص صراحة على هذا الحق وإنما تجري مقاربة قضية اللاجئين من وجهة نظر إنسانية وليست سياسية وينحصر الاهتمام الدولي بهم من خلال منظمة غوث وتشغيل اللاجئين المعروفة (اونروا) وليس من خلال أي هيئة دولية تسعى من خلال القرار 194 إعادتهم الى ديارهم. هذا الكلام يقودنا الى القول ان شرط الشعب المطلوب لإنشاء الدولة هو متوافر جزئيا وإذا تحققت دولة بهذا الحضور الشعبي فإنها لن تترسخ قبل استكمال حضور الشعب من خلال حق العودة.
3 ـ المؤسسات: اثبت الفلسطينيون حيوية عالية في إدارة شؤونهم وعلى الرغم من انهم لم يشهدوا دولة بل سلطة فان الإدارة والمؤسسات فيها تعتبر مقبولة لتسيير أمور الدولة الموعودة وتحتاج مثل باقي الدول الى تنظيم أفضل للعمل المؤسساتي واعتماد الشفافية والمعايير في إدارتها.
اتفق الفلسطينيون على دستور للسلطة يمكن تطويره ليصبح صالحا لدولة وأنشأوا مؤسسات دستورية، مثل رئاسة السلطة ومجلس تشريعي وحكومة وسلطة قضائية ووزارات مختصة وتحددت الصلاحيات كما صدرت قوانين تنظم عمل المؤسسات وترعى شؤون المواطنين، كما أنشأت السلطة المدارس والجامعات والمستشفيات ومطارا ومرفأ في غزة ومؤسسات الخدمات من كهرباء ومياه واتصالات واذاعات ومحطات تلفزيونية وطورت إدارات المؤسسات الموجودة قبل إنشاء السلطة.
والى جانب المؤسسات الرسمية أنشأت الكثير من الجمعيات الأهلية والخيرية والثقافية والدينية والأحزاب السياسية والنوادي الرياضية بالإضافة الى المؤسسات الإعلامية الخاصة، التي أضفت جميعها حيوية على المجتمع الفلسطيني. إلا ان إسرائيل اجتاحت عام 2002 مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ودمرت المقرات الأمنية وعددا كبيرا من المؤسسات الحكومية والأهلية، وكما دمرت مطار غزة وفرضت قيودا وحصارا على مرفأ غزة كما فعلت الأمر نفسه في غزة أواخر 2008 وأوائل 2009 ودمرت مؤسسات حكومية وأهلية وهذا الأمر يعيق حتما أي عملية لبناء او إعادة بناء سلطة او دولة في المستقبل.
لذلك لا يبدو في الأفق المنظور ان حل الدولتين او قيام دولة فلسطينية ـ باعتبار ان إسرائيل قائمة كدولة ـ قابل للتنفيذ الجدي في إطار عملية سلام شامل وعادل ونهائي لان عناصر الدولة الثلاثة اما غير متوافرة أي الأرض او مهجر قسم منها اي الشعب، او مدمر قسم منها اي المؤسسات. وكان واضحا تحذير بعض القادة العرب من مغبة عدم التمكن من التوصل الى هذا الحل فقد ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية ان العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني حض الولايات المتحدة على منح «اهتمامها الكامل» لضبط نغمة عملية السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية، محذرا من انه اذا أصبح حل الدولتين غير قابل للتطبيق، فان الشرق الأوسط «سيكون مصيره الى عقود كثيرة من عدم الاستقرار». وشدد الملك عبدالله على ان الجمهور في كلا الجانبين يشعر «بخيبة الأمل وعدم الاقتناع»، وحض الولايات المتحدة على المضي قدما في التأكد من تطبيق حل الدولتين.
رغم ذلك مازال حل الدولتين يتصدر مقترحات التسوية للنزاع العربي ـ الإسرائيلي وهو يشكل جوهر مبادرة السلام العربية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
كما ان الإدارة الأميركية على لسان الرئيس اوباما مازالت تدعو الى حل الدولتين وليس آخر المواقف ما قالته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أثناء حفل تكريم مجموعة العمل الأميركية لفلسطين في 20 اكتوبر2010 «ان الطريق الصحيح لتحقيق الأمن والكرامة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي هي مفاوضات تؤدي الى قيام دولتين تعيشان مع بعض بأمن ورخاء والى سلام شامل في المنطقة بأسرها» ومازالت المجموعة الأوروبية والمجتمع الدولي بأكمله يتعاملون بالسياسة والمفاوضات على أساس حل الدولتين.
ويتضمن هذا الحل الفصل بين الدولتين وإقامة تقسيم سيادي بناء على الافتراض القائل بان الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني على استعداد للتخلي عن احلام الهيمنة على كل الأرض المتنازع عليها. ولا يبدو ان هذه الأحلام قد تحققت بعد، أو أنها قابلة للتحقيق في المستقبل المنظور، الأمر الذي طرح حل الدولة الواحدة في التداول.
ونقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» عن مسؤول رفيع في حركة فتح ان «السلطة الوطنية الفلسطينية توصلت الى قناعة بان عملية السلام المبنية على مبدأ الدولتين قد فشلت» وسبق ذلك تصريح صحافي للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيـــادة العامة احمد جبريـل اعتبر فيه ان الحــــل المعقول للصراع العربي الإسرائيلي هو إقامــة دولة واحدة يعيـــش فيها الفلسطينيون والاسرائيليـــــــون معا، واضاف «هذه ارض فلسطينيـــــــة تتسع لعشرة ملايين فلسطيني وخمسة ملاييـــن اسرائيلي ويمكن عندها ان تشكل دولة جديدة، ونحن نضمن للاسرائيليين حياتهم وأمنهم من خلال هذه الدولة الواحدة». وأكمل انور رجا مسؤول الاعلام في الجبهة المذكورة كلام رئيسه باعتباره ان هذا الاقتراح يأتي «في مواجهة الافكار التي تتهافت علينا من كل الاتجاهات وتتحدث عن حل الدولتين» واضاف ان هذا الحل «يرمي الى انهاء القضية الفلسطينية ووضع اللاجئين الفلسطينيين خارج حقهم التاريخي وكذلك التوطئة والتمهيد لتهجير الفلسطينيين المتبقين بأرضهم المحتلة عام 1948».
اقتراح إيراني
ولإيران اقتراح لدولة واحدة على مراحل عرضه سفير ايران في لبنان غضنفر ركن ابادي في حديثه الى صحيفة «المستقبل» في 30 اكتوبر 2010 قال: «لدينا مشروع لأجل الهدوء في المنطقة يقوم على اربع مراحل هي: عودة اللاجئين الفلسطينيين الى بلدهم، وإجراء الانتخابات داخل الاراضي الفلسطينية بمشاركة كل الفلسطينيين الاصليين من المسلمين والمسيحيين واليهود، وتعريف النظام السياسي المختار من جانب الاغلبية الفلسطينية، واتخاذ القرار المناسب بالنسبة للمستوطنين من غير الفلسطينيين».
وفي الجانب الاسرائيلي قال الباحث ميرون بنفينيستي وهو من صقور اليمين «ان السير في حل الدولتين للنزاع العربي ـ الاسرائيلي هو مضيعة للوقت» واضاف «يجب ان نغير مفرداتنا المتعلقة بالنزاع ونسقط تعبير حل الدولتين والبحث في حل الدولة الواحدة ثنائية القومية».
اما وزير الدفاع الاسبق موشي ارينز وهو من رموز الليكود فقد كتب في صحيفة هاآرتس انه بات واضحا ان حل الدولتين مع هذه القيادات الفلسطينية وبغياب الحل الاردني (اي اعطاء الضفة الغربية للاردن) لم يعد موجودا واضاف «لذلك يمكننا ان نفتش عن خيار اخر» ان تطبق اسرائيل قوانينها على يهودا والسامرة (اي الضفة الغربية) وتمنح الجنسية لمليون ونصف المليون فلسطيني. وبما ان اسرائيل هي في الواقع دولة ثنائية القومية مع وجود اكثر من 20% من السكان من العرب فإنه حسب نظرته يمكن لاسرائيل ان تكون نسبة العرب فيها 40% وتبقى دولة يهودية. اما رائد الدعوة الى حل الدولة الواحدة يوري اليتزر رئيس مجلس مستوطني الييشا ومدير مكتب نتنياهو خلال ولايته السابقة كرئيس للحكومة فيعتبر انه بعد اكثر من اربعين عاما من الاحتلال يبدو ان المجتمع الدولي قد تعب من اسرائيل ولم يعد يرضى بالوضع الراهن حاليا وحسب رأيه فان اسرائيل بحاجة للقيام بشيء ما لكسر هذا الجمود او مواجهة العزلة الدولية. واعتبر ان الدولة الديموقراطية حيث تتساوى حقوق العرب واليهود هي الخيار الوحيد ومنعا لاي التباس ينبه اليتزر الى انه يدعو الى دولة ذات اغلبية يهودية. اما رئيس الكنيست روفين ريفلين فقد قال اثر لقاء مع السفير اليوناني انه «يفضل ان يصبح الفلسطينيون مواطنين في دولتنا عوضا عن ان نقسم بلادنا».
خطر الثنائية
رغم هذه المواقف الاسرائيلية لا يزال التوجه الاسرائيلي العام يعتبر حل الدولة الواحدة ثنائية القومية خطرا يستهدف جوهر المشروع الصهيوني ولم يستطع المدافعون عن هذا الحل تحليل صورة وتكوين هذه الدولة وتوضيح الطريقة التي سوف يعتمدها هذان العدوان المتحصنان في خنادقهما عند انشائها. واذا كانت الدولة الواحدة في حدود من نهر الاردن الى البحر المتوسط فهذا يعني انها سوف تضم سكانا عربا يبلغ عددهم في الضفة الغربية 2.450.000 نسمة وفي غزة 1.550.000 نسمة وفي الاراضي المحتلة عام 1948 نحو 1.650.000 نسمة بالاضافـــة الى سكان القدس الذين يحسبون مع الضفة، واسرائيل تحسبهم مع دولة اسرئيل مقابل 5.700.000 يهودي (الاحصاءات مأخوذة من احصاء 2010 لوكالــــة المخابرات المركزية الاميركية) وهذا يعني ان الارقام شبه متساويــة بين العــرب واليهود مــع ترجيح طغيان العـرب في المستقبل ما يحول دون المزاوجة بين الديموقراطية والطابع اليهودي للدولة. ان حل الدولة الواحدة لايزال نظريا «طوباويا» والمرجح انه في ظل موازين القوى الحالية، لن يحقق المساواة في الحقوق بين مكونيها اليهودي والعربي، وستكون بدلا من ذلك دولة ينعم فيها اليهود بالحريات والامتيازات الديموقراطية مع استمرارهم في القلق بشأن أمنهم في حين يحرم الجانب العربي من الامتيازات والامن معا، أي أن هذه الدولة لن تقوم على اساس التعايش المتساوي بل على علاقات تتسم بالسيطرة من جهة والمقاومة من جهة اخرى.
بين حل الدولتين الذي يتعذر تحقيقه من دون اعادة الارض كاملة وازالة المستوطنات واعطاء حق العودة للاجئين وبين حل الدولة الواحدة الذي يحمل بذور الابارتهيد، وطغيان العامل الديموغرافي العربي وهو ما ينهي الفكرة الصهيونية من اساسها، طالعنا تحالف اليمين المتطرف الحاكم بمشروع الدولة اليهودية وفرض قسم الولاء لها على جميع مواطنيها، وقد اوضح نتنياهو موقفه بخصوص الدولة اليهودية بالقول «اسرائيل هي وطن الشعب اليهودي. وهي كذلك في جوهرها، وفي حكومتها، ورموزها، وعطلاتها، ولغتها، ويجب أن ينعكس هذا في قانونها الخاص بالجنسية. واسرائيل دولة ديموقراطية توفر المساواة المدنية لكل مواطنيها. وكان هذا المبدأ مرشدا للسياسات الحكومية، سواء الداخلية أو الخارجية، وهو حجر الزاوية في التشريعات الاسرائيلية. وتم التعبير عن هذا المبدأ بعبارة يهودية وديموقراطية وسيدرج في قسم الولاء الذي يؤديه اولئك الراغبون في أن يصبحوا مواطنين»، واضاف مكتب نتنياهو عن اقتراح الدولة اليهودية انه ينبغي ألا يكون له تأثير على مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، ما دام أول المتطلبات التي تريدها اسرائيل هو الاعتراف بها كدولة يهودية.
واثار هذا القرار هلع المواطنين العرب في اسرائيل وخوفهم من ازدياد التمييز العنصري ضدهم وعلق عضو الكنيست عن القائمة العربية الموحدة أحمد الطيبي على إعلان نتنياهو قائلا إن قرار رئيس الحكومة لإجبار جميع المواطنين على «الولاء» لإسرائيل يهودية هو قرار سياسي وليس قرارا قياديا، واضاف «إنه يهدف إلى ترسيخ مكانة العرب الدونية بالقانون. لن يتمكن أي تعديل من نفي الرواية الفلسطينية التي تم الاعتراف بها في جميع أنحاء العالم».
وقال محمد بركة رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة «لقد قرر نتنياهو فرديا أن يفتتح موسم التشريعات العنصرية. هذا التعديل عنصري، ومن المرجح أن يحصل على الغالبية التي يحتاجها من خلال اشبينين ليبرمان وباراك»، وأضاف «نقول منذ زمن طويل إن القانون الإسرائيلي أصبح المرشد لأكثر أنظمة العالم شرا».
وقالت رابطة الحقوق المدنية في إسرائيل إن الاقتراح «غير ديموقراطي بشكل أساسي، وهو يفرق على اساس ديني بين الساعين إلى المواطنة، ويتطلب من أقلية اثنية الالتزام بمبدأ يعزز التفرقة العنصرية ضدها».
لا يبدو حل الدولتين المتداول رسميا في المفاوضات المباشرة التي تشجعها الولايات المتحدة من دون رعاية واضحة، قابلا للتطبيق بسبب رفض اسرائيل تقديم التنازلات اللازمة لتحقيق عناصر ذلك الحل وهي الارض والشعب والمؤسسات.
كما ان حل الدولة الواحدة يأتي في الغالب كردة فعل على اليأس من عدم التمكن من تحقيق حل الدولتين او كفكرة طوباوية بعيدة عن الواقع.
اما قرار حكومة نتنياهو بالاشتراط على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل كشرط لاستئناف محادثات السلام مع ما يحمله هذا الشرط من عنصرية واضحة، فقد اطاح بكل الجهود الاميركية والرباعية الدولية لاستئناف المفاوضات وقوض «الحلم الاميركي» في تحقيق اتفاقية سلام اسرائيلية ـ فلسطينية خلال سنة.لقد وصلت جميع المبادرات الى مأزق يصعب الخروج منه من دون اتخاذ قرارات مصيرية شجاعة.
البدائل غير موجودة، واذا وجدت فهي توفر حلولا ناقصة، مثل حل تعايش الامر الواقع الذي طرحته حركة حماس بشكل هدنة طويلة على ان تكون الهدنة بين الضفة الغربية الخالية من الاحتلال الاسرائيلي وغزة من جهة ودولة اسرائيل من جهة اخرى، لكن اسرائيل التي ترفض الانسحاب من الضفة الغربية لصالح حل دائم سترفض طبعا الانسحاب لصالح هدنة حتى لو كانت طويلة.
يبقى ان ندرج الحرب كأحد الحلول التي تعتمدها اسرائيل، جربت اسرائيل الحرب على غزة اواخر 2008 واوائل 2009 التي افترضت ان تكون سهلة بالنظر للطبيعة الجغرافية المكشوفة لقطاع غزة، لكنها فشلت في تحقيق اهدافها من هذه الحرب فقتلت نحو 1200 من المدنيين ودمرت بنى تحتية ومدارس ومستشفيات ومباني سكنية وتعرضت لانتقاد دولي خصوصا بعد صدور تقرير غولدستون.
في المقابل، لا يبدو الكفاح الفلسطيني المسلح خيارا متاحا في ظل الانقسامات وغياب النظرة الواحدة بين مختلف التنظيمات الفلسطينية، كما ان خيار المقاومة الشاملة ضد الاحتلال الاسرائيلي يتطلب دعما عربيا لا يبدو انه متوافر في الظروف الراهنة.
اول غيث الخروج الفلسطيني من هذا المأزق هو الوحدة الوطنية الفلسطينية واتخاذ موقف واضح وحاسم من مفاوضات السلام. ان رسم استراتيجية فلسطينية واضحة لاستعادة الحقوق المسلوبة اما بالمقاومة او بالمفاوضات او بالاثنتين معا يضع حدا للتخبط الفلسطيني الراهن ويتيح للفلسطينيين اتخاذ مواقف تجاه كل المستجدات بالاستناد الى الاستراتيجية المعتمدة.
مقومات الدولة الفلسطينية الموعودة
الارض: وهي المحددة في اتفاقات اوسلو والمبادرة العربية للسلام وقرارات مجلس الامن لاسيما القرار 242 بالضفة الغربية (القدس الشرقية ضمنا) وقطاع غزة.
الشعب: وهو الشعب الفلسطيني الموجود تحت الاحتلال في الضفة الغربية والقدس وفي غزة وفي الشتات.من المهم جدا ان يكون شعب الشتات جزءا اساسيا من الشعب المكون للدولة الموعودة.
المؤسسات: اثبت الفلسطينيون حيوية عالية في إدارة شؤونهم وعلى الرغم من انهم لم يشهدوا دولة بل سلطة فان الإدارة والمؤسسات فيها تعتبر مقبولة لتسيير أمور الدولة الموعودة وتحتاج مثل باقي الدول الى تنظيم أفضل للعمل المؤسساتي واعتماد الشفافية والمعايير في إدارتها
* عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني