بقلم: إلياس فرحات *
«ان الهند ليست قوة ناشئة، لقد باتت قوة عالمية» قال ذلك الرئيس الأميركي باراك اوباما أثناء زيارته الاخيرة للهند التي استمرت 3 أيام هي الأطول له خارج الولايات المتحدة.
شكل هذا الإعلان تكريسا لدور هذا البلد الذي مازال يكافح شعورا بالنقص اذ كانت صورته في الماضي تتمثل في طفل يموت جوعا ويده ممدودة، ويصاب بالحرج عند مقارنته باستمرار بجارته القوية المنافسة الصين، وكان اوباما قد اثار هلع قادة الهند عندما قرأ اثناء زيارة سابقة للصين في البرلمان بحضور الرئيس الصيني هو جين تاو العبارة التالية من البيان الرسمي: «ان الطرفين على استعداد لتعزيز التعاون في قضايا ذات صلة بجنوب آسيا والعمل معا لتعزيز السلام والاستقرار والتطور في تلك المنطقة» .
أدرك القادة الهنود يومها ان اوباما تجاهل دور بلدهم وان الفتور الذي اعترى علاقة بلدهم مع واشنطن جاء بسبب الطريقة التي تحددت فيها السياسة الاميركية في شرق آسيا منذ ان تولى اوباما السلطة من سلفه جورج بوش. وكان بوش قد وافق على اتفاقية تمهد الطريق لتعاون تاريخي بين الولايات المتحدة والهند في مجال الطاقة النووية رغم معارضة مناصري الحد من التسلح داخل الولايات المتحدة واعتبر إقرار هذه الاتفاقية من أولويات ادارته.
لذا جهد اوباما من اجل تصحيح هذا الخطأ والى ان تتجاوز الهند هذه الشكوك فاستضاف رئيس الوزراء سينغ في اول عشاء رسمي أقامه كرئيس في البيت الأبيض، وفي يونيو الماضي عقد البلدان اول «حوار استراتيجي» بينهما بهدف ترسيخ العلاقات وإظهار ان البلدين حليفان طبيعيان.
هواجس هندية
ما الهواجس التي كانت تنتاب الهند من سياسة ادارة اوباما نحوها؟ بدأت القصة عندما كان اوباما عضوا في مجلس الشيوخ وخلال مناقشة اتفاقية التعاون النووي السلمي بين الولايات المتحدة والهند تقدم باقتراح يحظر إمداد الهند بالوقود النووي مما تسبب في جهد كبير للرئيس بوش والجمهوريين من اجل تأمين مصادقة مجلس الشيوخ على الاتفاقية.
خلال حملته الانتخابية الرئاسية، كشف اوباما انه عرض على الرئيس الأسبق بيل كلينتون ان يعمل مبعوثا رئاسيا خاصا الى كشمير في حال فوزه وهذا ما اثار زعماء الهند وتساءل بعضهم عن رد فعل الولايات المتحدة في حال أوفد الاتحاد الاوروبي مبعوثا ليتوسط بين المكسيك والولايات المتحدة حول وضع ولاية تكساس.
كما تعهد اوباما كمرشح رئاسي بالتصديق على معاهدة حظر التجارب النووية مستعيدا بذلك الجهد الذي قامت به الولايات المتحدة والصين في التسعينيات من اجل هذه المعاهدة والدور الذي لعبته الصين في البرنامج النووي والصاروخي الباكستاني الموجه نحو الهند.
بعد إعلان فوزه بالانتخابات تداولت معلومات انه سيعين ريتشارد هولبروك مبعوثا رئاسيا الى باكستان وافغانستان وكشمير ومسائل اخرى.
وأثار ذلك ايضا قلق الهند التي تحركت بكل قواها الديبلوماسية من اجل شطب كشمير من مهمة هولبروك لأنه لو تحقق ذلك لاستطاع هولبروك المعروف بحنكته الديبلوماسية ان يجر الهند الى مفاوضات حول كشمير وتقديم تنازلات لباكستان لن تكون سهلة على اي فريق حاكم في الهند.
وازدادت مخاوف الهند عندما استثناها اوباما من إعلان لائحة الدول ذات الأولوية في السياسة الخارجية والتي تضمنت عددا من الدول الآسيوية منها باكستان وافغانستان واليابان وكوريا الجنوبية واستراليا والصين وانتاب القلق الديبلوماسية الهندية عندما اجرى اوباما اتصالات هاتفية للتعارف مع رؤساء دول من بينهم باكستان والصين واستثنى الهند، عكس وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فقد قامت بجولة في آسيا شملت الهند الى جانب دول اخرى هي اليابان وكوريا الجنوبية واندونيسيا.
ان مرور كلينتون العابر للهند عزز التأكيدات على برودة الولايات المتحدة تجاه هذا البلد وعزز ذلك ردها على سؤال لأحد الصحافيين عن الهند قائلة «لا تسألوني عن الهند». بعد تفجيرات مومباي الدموية وإظهار الهند قدرتها على ضبط النفس ادرك المسؤولون في ادارة اوباما انه يجب وضع مشاكل باكستان وافغانستان في اطارها الإقليمي واعتبار الهند جزءا من الحل بعدما كانت جزءا من المشكلة فهي قدمت كثيرا في أفغانستان وأسهمت في جهود التحول الديموقراطي وساعدت في بناء البنى التحتية وتدريب موظفي الدولة وغيرها.
أمر حيوي
في يونيو 2010 ألقى مساعد وزيرة الخارجية وليم بيرنز كلمة في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن أعلن فيها ان صعود الهند وتطورها امر حيوي بالنسبة للسياسة الاميركية وان واشنطن تسعى لتقديم التسهيلات لذلك، هذه النظرة الجيوبوليتيكية عادت بعد ان كانت غائبة منذ انتهاء ولاية جورج بوش الرئاسية. وأعلن بيرنز ايضا عن انطلاق حوار استراتيجي بين وزيرة الخارجية الاميركية كلينتون ووزير الخارجية الهندي كريشنا هو الاول بين البلدين.
واضاف ان «الحقيقة الناصعة هي ان قوة الهند وتقدمها على المستوى الدولي تقع في قلب المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة.. انها تقترب من ان تصبح الدولة الأولى في العالم في عدد السكان وهي الآن اكبر ديموقراطية وهي ايضا ثاني أسرع اقتصاد عالمي في النمو ولاعب أساسي في مجموعة العشرين الدولية وتقوم بدور بارز في آسيا وفي سلسلة من التحديات العالمية».
واعتبر ان العلاقات الصاعدة بين الولايات المتحدة والهند حكومة ومجتمعا واقتصادا تساعد على تسريع نمو الهند وان بإمكان البلدين المساعدة على بناء نظام دولي تزدهر فيه الديموقراطية وتتحسن حقوق الإنسان ويزال الفقر وتتوسع التجارة ويتم الحفاظ على نظافة البيئة وتهميش التطرف ووقف انتشار أسلحة الدمار الشامل ويجري استكشاف حدود جديدة في العلوم والتكنولوجيا.
وكان الرئيس اوباما قد استقبل رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ في زيارة دولة الى الولايات المتحدة ووصف العلاقات الهندية ـ الاميركية بأنها «واحدة من محددات الشراكة في القرن الواحد والعشرين». وشدد اوباما في استراتيجية الأمن القومي التي نشرت عام 2009 على ان «توسيع شراكتنا مع الهند ستبقى في أعلى سلم أولوياتنا».
ورأى ديفيد روفكوف في مجلة فورين بوليسي ان زيارة اوباما الى الهند هي اهم زيارة خلال ولايته. واعتبر ان اوباما ذهب بعيدا في اقامة علاقات صادقة وخاصة مع الهند واحتضن بذلك مسألة حيوية بالنسبة للهند ومزعجة للجمهور الباكستاني وغير مريحة للصين وانه بعمله هذا اثبت شجاعته وتمتعه بالرؤية.
حيث استغل اوباما اتفاقية التعاون النووي الاميركي ـ الهندي التي أقرتها ادارة بوش وضمن من خلالها زخما قويا في العلاقات التي قدر لها ان تواجه التحديات الناشئة في القرن الواحد والعشرين.
وشدد اوباما على ان ادارته كانت جادة بتحويل الكلام النظري حول التعددية والعمل مع مجموعة من القوى الى فعل واضح، كان العمل من خلال مجموعة العشرين الاقتصادية العالمية خطوة بالاتجاه الصحيح قامت بها ادارة بوش تبعتها التعديلات التي جرت على هيكلية المؤسسات المالية الدولية.
وكانت المفاجأة الكبيرة التي أعلن عنها اوباما كتتويج لموقفه من الشراكة مع الهند هي دعوته لحصولها على مقعد دائم في مجلس الأمن. وقال في كلمة امام البرلمان الهندي: «في السنوات المقبلة سأسعى الى اجراء اصلاحات في مجلس الأمن الدولي تتضمن اعتبار الهند عضوا دائما فيه» وهي دعوة مفتوحة تذكر بالجهود غير المثمرة التي بذلتها الولايات المتحدة لمنح اليابان مقعدا دائما في مجلس الأمن. وأوحى كلامه انه من دون منح الهند مقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي لا يمكن ان تظهر الأمم المتحدة بمظهر المنظمة «الشرعية والفعالة وذات المصداقية». لكن سرعان ما صدر رد من ستيوارت باتريك من مجلس العلاقات الخارجية الذي طالب بإضافة البرازيل وألمانيا الى العضوية الدائمة في مجلس الأمن.
ولم تخف الولايات المتحدة سعيها لإجراء تعديلات تلغي بموجبها الحظر الذي كان مفروضا على الهند واستمر لأكثر من 30 سنة خلال فترة الحرب الباردة وتسهم بذلك في دفع العلاقات الاميركية ـ الهندية نحو الأمام.
لاتزال مجموعة الاستراتيجيين في الهند تبدي قلقا يصل الى درجة قرع جرس الإنذار حول علاقة الولايات المتحدة مع باكستان وتقرب اوباما من باكستان واستراتيجيته في افغانستان ورغبته في انتهاج سياسة قوية في آسيا من شأنها ان ترفع من كلفة العناد الصيني وعدم وجود قيادة اميركية للتجارة الدولية وأبدت شكوكا حول تعهده بالتعامل مع الهند كقوة اساسية وشريك في الشؤون الدولية بطريقة متناغمة مع إحساس الهند بتطورها وصعودها وامكانياتها المتوافرة.
كما تدرك النخب الهندية ان باكستان وافغانستان والصين هي مصدر قلق دائم ويدركون ايضا ان الولايات المتحدة تنازلت لباكستان عن دور اساسي في القيام بتسوية سياسية مع طالبان في افغانستان وحلفائها من المجموعات المتمردة الأخرى.
ويخشى الهنود ان تستغل باكستان ذلك من اجل ان تبسط سلطانها على السياسة الأفغانية مقابل ان تخلق الظروف التي تسمح للقوات الأطلسية بالعودة الى بلادها بهدوء.
ودفعت سياسة اوباما في التقرب من افغانستان المعروفة بـ «اندفع ثم انسحب» التي أعلنها عام 2009 العديد من المسؤولين الهنود على تراجع أملهم في أن اوباما سيترك خلفه بعد انسحاب قواته دولة افغانية مستقلة لا تشكل تهديدا للهند عن طريق استضافتها لمتشددين إسلاميين لديهم طموحات عالمية بنشر الجهاد.
كما ترى بعض النخب الهندية التي تراقب الجار الصيني ان العلاقات الاميركية ـ الصينية تبدو في وضع الاستقرار بعد التملق الذي اظهرته واشنطن في اجتماع مجموعة العشرين الاقتصادية والتي أعقبت فترة من التوتر الديبلوماسي والعسكري الذي أدى الى تراجع التأييد الاميركي لادعاءات الصين البحرية في آسيا.
وأعلن اميرال هندي متقاعد وخبير استراتيجي لمجلة فورين بوليسي الاميركية انه على ضوء تطوير البحرية الصينية في المياه الزرقاء وطموحات الصين بتوسيع سلطتها البحرية بعيدا عن البر الصيني «فإن الهند هي القوة الوحيدة التي تقع بين الصين وجنوب المحيط الأطلسي».
واضاف انه على الولايات المتحدة والهند اعادة النظر في علاقتهما السياسية والعسكرية والديبلوماسية من اجل منع الصين من الهيمنة على آسيا والعالم خصوصا اذا ارادت اميركا تطبيق مبدأ مونرو في نصف الكرة الغربي مع احتفاظها بالتفوق والسيطرة في الشؤون الدولية.
وينظر الهنود الى الصين على انها مجموعة صقور استنادا الى خبرتهم في الحرب الصينية ـ الهندية عام 1962. ويتوجسون من تطوير الصين المبكر لأسلحة نووية وصواريخ تستهدف المدن الهندية وتسليحها الدول المجاورة وهي باكستان وسريلانكا وبورما ونيتها الواضحة في تقويض سلطة الهند وتحديد قدراتها للحد من نفوذها في الجوار. باختصار فإن وضوح طموحات الصين المتزايدة نحو جيرانها وحتى نحو الولايات المتحدة يدفع لتعاون اميركي ـ هندي للتعامل مع الصين لكن الخبراء الاستراتيجيين الهنود لا يعتقدون ان اوباما اظهر التصميم والعزم الضروريين لذلك.
في الجانب الهندي فإننا وعلى عكس الضجيج الحاصل في واشنطن حول العلاقات مع الهند، نرى صمتا رسميا مطبقا.ان عزوف دليهي عن التحدث عن استراتيجيتها لا يعني انها لا تملك استراتيجية. على الرغم من التقدم البارز في العلاقات الهندية ـ الاميركية خلال عهد جورج بوش والاتفاقيات الثنائية من اجل دعم تطور الهند فإن ادارة اوباما ترى انه من الصعب تحقيق تقدم استراتيجي كبير.
تبين للمسؤولين الاميركيين العاملين مع افغانستان وباكستان ان الهند هي جزء من المشكلة لأنها تمتنع عن تقديم اي تنازلات في كشمير لدرجة تسمح بتشجيع باكستان على المشاركة بقوة اكثر في افغانستان كما ان وزارة الدفاع الاميركية اصيبت بإحباط اثناء محاولات بناء شراكة عسكرية مع الهند لأنها ترفض التعاون وفقا للشروط الاميركية. ان المشكلة الكبيرة التي يواجهها الإستراتيجيون الهنود ليست انهم لا يريدون مناقشة صفقة كبيرة مع الاميركيين بل في شروط التفاوض غير المتساوية كما ان البيروقراطية الهندية والنخب السياسية تقبلت ببطء شديد شروط الشراكة القوية مع واشنطن. لكن ومنعا للخطأ كانت العلاقات الاميركية مع الهند دائما في اولويات صناع السياسة الخارجية الهندية.
التعاون الإستراتيجي
اعتبر الخبير الاستراتيجي الهندي راجا موهان ان التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة يحتل حيزا مهما في الاستراتيجية الهندية. ومن اهم اهدافها هو تهدئة القسم الشمالي الغربي من شبه القارة الهندية، اي افباك كما يعرف في واشنطن (افغانستان وباكستان) ومواجهة أخطار الاضطرابات التي غالبا ما يشهدها.
منذ القديم كانت الامبراطوريات التي حكمت الهند منذ 2500 عام تسيطر على الاضطرابات في تلك المناطق عبر نهر الهندوس الذي يرسم الحدود الغربية لشبه القارة. ومنذ وصول الاسكندر المقدوني الى نهر الهندوس كانت معظم القوى الأجنبية تدخل الى الهند عبر الشمال الغربي. وكانت الهند تستوعبهم وتتوافق مع ايديولوجياتهم، وتحتاج فقط الى الوقت اللازم لصدهم، لكن تقسيم شبه القارة عام 1949 أصابها بالضعف ونظرت الى الدعم الاميركي والصيني لباكستان بتخوف وهي اليوم تقف عاجزة عن فعل اي شيء في هذه المنطقة وتعاني من ضيق في هامش المناورة اثناء التعامل مع اخوتها المزعجين في الشمال الشرقي.
وتبقى كشمير العقدة الأبرز في شبه القارة الهندية ومصدر التوتر الدائم بين الهند وباكستان ومحددا أساسيا للعلاقات بين دول شرقي آسيا. أسهم التنافس بين العملاقين الآسيويين الهند والصين في صوغ التحالفات على الصعيد الدولي. لجأت الهند الى تعزيز علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي من اجل مواجهة مشتركة للصين وهذا ما دفع باكستان الى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة التي بدورها نظرت الى باكستان كحليف اساسي في فترة الحرب الباردة ولهذا السبب ساد التوتر في العلاقات الهندية ـ الاميركية ووصل الى درجة فرض حظر اقتصادي ونووي على الهند.
قاعدة انطلاق
تقدم الاتحاد السوفييتي نحو أفغانستان للضغط على حليف الولايات المتحدة باكستان ودخلت القوات السوفييتية افغانستان فتحولت باكستان الى قاعدة انطلاق للمجاهدين الأفغان لقتال القوات السوفييتية. وعندما انسحب السوفييت وانهار الاتحاد السوفييتي انقلب الوضع. الهند حليفة الاتحاد السوفييتي بدأت تجنح نحو الولايات المتحدة لتحسين علاقاتها. اثار ذلك مخاوف الصين المنافسة الجغرافية لها والتي كانت علاقاتها مع الولايات المتحدة جيدة ويجمعهما مواجهة الاتحاد السوفييتي فتراجعت علاقات الصين مع الولايات المتحدة بنسبة تقدم علاقات الاخيرة مع الهند. وحدة التحالف الصيني ـ الباكستاني لم يتغير لان الجغرافية السياسية هي التي فرضته.ان اي تقدم في العلاقات الهندية ـ الاميركية سيواجه من باكستان ويؤثر سلبا على جهود الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب وخصوصا على الساحة الافغانية. الولايات المتحدة بحاجة الى باكستان لمساعدتها في افغانستان وهي ايضا بحاجة للهند من اجل مواجهة العملاق الصيني. من هنا رأينا ان الولايات المتحدة مضطرة لأسباب استراتيجية لأن تقيم علاقات وثيقة وتحالفية مع فريقين متنازعين في الوقت نفسه. علاقات استراتيجية مع الصين ومثلها مع الهند ومع باكستان. ان الهاجس الأساسي للولايات المتحدة هو الحرب في افغانستان وهي تحاول انهاءها من دون خسائر استراتيجية لكنها تصطدم بموقف باكستان التي قيل الكثير عن برودتها في الحرب على طالبان واتهمها الرئيس الأفغاني كرزاي صراحة بممالئتهم. لكن الواقع ان باكستان لا تريد ان تقدم تضحيات من دون اثمان سياسية وأبرزها تبديد قلقها من علاقات الهند والولايات المتحدة. كشمير ايضا ساحة عنف تشهد بين الحين والآخر تفجيرات واشتباكات مع القوات الهندية، بعض التنظيمات الأصولية مثل «عسكر طيبة» و«جيش محمد» تنشط في كشمير وتشكل هاجسا للهند التي تضم اقلية مسلمة تبلغ اكثر من 100 مليون نسمة. لا يمكن لادارة اوباما الاستمرار في كسب ود متخاصمين من دون إزالة أسباب الخلافات بينهما وهي خلافات كبيرة يصعب اخفاؤها والا ستصبح الاستراتيجية الاميركية في الهند استراتيجية النعامة اي وضع الرأس في الرمال تفاديا لرؤية الاخطار الداهمة.
لا بأس في ذلك عندما تنهي الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة وتستبدله بالقوة الناعمة لكن عقبات كثيرة تحول دون الخروج الآمن والمشرف للقوات المسلحة الاميركية من افغانستان. لا بأس ايضا اذا كانت زيارة الهند تحقق فوائد اقتصادية فقد أعلن ان الموضوع الذي تصدر أجندة أوباما خلال الزيارة هو موضوع العلاقات الاقتصادية بين البلدين. اصطحب اوباما معه أكبر وفد تجاري في زيارة خارجية وذلك من أجل فتح السوق الهندية الواسعة أمام الشركات الاميركية بما يساعد على إطلاق الاقتصاد المتعثر، وتقليص نسبة البطالة التي وصلت إلى حدود 10%، واستثمار التفوق الاميركي في مجال التقنية العالية. وضمن الموضوعات التي اولاها أوباما اهتماما خاصا، عقد صفقات دفاعية ابرزها بيع الهند طائرة نقل عسكرية سي 17 بوينغ بقيمة 5.8 مليارات دولار وتعزيز التعاون النووي والدخول معها في مشروعات تساعد على توفير عشرات الآلاف من الوظائف الجديدة، خصوصا بعد صدور تقارير تؤكد أن الهند تستعد لعقد صفقات بمليارات الدولارات مع كبار موردي المعدات النووية في العالم.
لا يبدو ان الاستراتيجية الاميركية في آسيا تحقق نجاحا لأنها لم تلامس الأزمات الأساسية في المنطقة وستتعثر عند اي طارئ وتصطدم بحتمية الاختيار بين دولتين متخاصمتين تعتبر كلا منهما حليفة له. ولم تنتهج الولايات المتحدة مقاربة واضحة من اجل تخفيف حدة التنافس بين هذين الهند وباكستان الخصمين الكبيرين حيث قد يتطور يوما الى نزاعات خطيرة يشتد خطرها مع وجود سلاح نووي بين ايديهما.
استراتيجية النعامة
لاتزال مجموعة الاستراتيجيين في الهند تبدي قلقا يصل الى درجة قرع جرس الإنذار حول علاقة الولايات المتحدة مع باكستان وتقرب اوباما من باكستان واستراتيجيته في افغانستان ورغبته في انتهاج سياسة قوية في آسيا من شأنها ان ترفع من كلفة العناد الصيني وعدم وجود قيادة اميركية للتجارة الدولية.
كما تدرك النخب الهندية ان الولايات المتحدة تنازلت لباكستان عن دور اساسي في القيام بتسوية سياسية مع طالبان في افغانستان وحلفائها من المجموعات المتمردة الأخرى.
ويخشى الهنود ان تستغل باكستان ذلك من اجل ان تبسط سلطانها في المنطقة.
لا يمكن لادارة اوباما الاستمرار في كسب ود متخاصمين من دون إزالة أسباب الخلافات بينهما والا ستصبح الاستراتيجية الاميركية في الهند استراتيجية النعامة اي وضع الرأس في الرمال تفاديا لرؤية الاخطار الداهمة.
* عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني