بقلم: إلياس فرحات *
أيقظ انتخاب باراك اوباما أول رئيس اسود في تاريخ الولايات المتحدة النزعة العنصرية عند بعض المحافظين الأميركيين، انه ديموقراطي وأسود ومن أصول إسلامية، ثلاث صفات يستهدفها المحافظون المتزمتون في كل ادبياتهم السياسية.
فور إعلان فوزه بدأت تتعالى أصوات مناهضة له ومحتجة على انتخابه لكنها بقيت ضمن الإطار الذي تسمح به الديموقراطية الأميركية. ولكن لم تمض بضعة أشهر حتى استحضر المحافظون واقعة جذابة من التاريخ الأميركي هي «حفلة شاي بوسطن» التي يعتز بذكرها الأميركيون ويحيطونها باهتمام بالغ، فهم امة من المستوطنين ليس لها تاريخ طويل وبحاجة لأمثولة وطنية تشد عصب الأجيال الصاعدة وتخلق فيهم الروح الوطنية، فكانت «حفلة شاي بوسطن» الاسم والشعار للمحافظين المتشددين يستلهمون منها المبادئ المحافظة المتطرفة ويصوغون رد فعل يضمر الاحتجاج على رئيس اسود للولايات المتحدة ويظهر تعلقا بالتاريخ القومي.
صادف صعود هذه الحركة مع بداية الاستعدادات للانتخابات التشريعية النصفية التي عادة تعيد تحديد الأغلبيات في مجلسي الكونغرس وتؤثر على السياسات عند حصول أي تغيير.
انتشرت الحركة بشكل سريع وملفت داخل الحزب الجمهوري وفي أوساط المحافظين وبدأت تشكل خطرا داخل الحزب نفسه لانتزاع التسمية كمرشح للحزب في الانتخابات وخطرا آخر على الديموقراطيين الذين شعروا باجتياح «حركة الشاي» وبوطأة التهديد الانتخابي الذي شكلته. والأدهى من ذلك لم تقدم الحركة مرشحيها بشكل مستقل بل من خلال الحزب الجمهوري وأسهمت كثيرا في تحقيق فوز لافت لهذا الحزب ومن ضمنه مرشحوها.
ارتفع عدد النواب الجمهوريين من 179 الى239 في مجلس النواب أي بزيادة 60 نائبا وفي مجلس الشيوخ ارتفع عدد الشيوخ الجمهوريين من 41 إلى 46 شيخا أي بقيت الأغلبية للديموقراطيين. «حسب الدستور الأميركي يجرى انتخاب جميع أعضاء مجلس النواب مرة كل سنتين بينما يجرى انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ مرة كل سنتين باعتبار ان ولاية الشيخ أي السناتور هي لمدة 6 سنوات وولاية النائب سنتان» سلط هذا الفوز الكبير للجمهوريين الضوء على حركة حزب الشاي ولفت انتباه القوى السياسية داخل الولايات المتحدة والقوى الدولية التي باتت تتحسب لقدوم يوم تمسك فيه هذه الحركة بالسلطة وتؤثر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة مع ما يترتب على ذلك من تعرض مصالحها لخطر انعدام الثقة بالمستقبل.
حفلة شاي بوسطن
في أواخر القرن الثامن عشر تصاعد الخلاف بين سكان المستعمرات الأميركية والسلطات البريطانية الحاكمة. وعام 1773 رفض الأميركيون دفع الضرائب إلا للمجالس التشريعية المنتخبة من المستوطنين تحت شعار «لا ضرائب من دون تمثيل».وكانت النتيجة ان رفعت جميع الضرائب ماعدا ضريبة الشاي التي كان قد فرضها الملك جورج الثالث.
قام بعض الشخصيات الوطنية يناهز عددهم الخمسين بالتنكر بزي الهنود الحمر وصعدوا الى متن ثلاث سفن بريطانية راسية في ميناء بوسطن وألقوا بنحو 342 حاوية من الشاي في البحر.فاعتبر البريطانيون ذلك عملا تخريبيا وعدوانيا على سلطتهم وردوا بمعاقبة مدينة بوسطن وإقفال الميناء وفرض الحكم العسكري ومنع التجمعات واستقدموا تعزيزات عسكرية لمواجهة التمرد وبذلك انطلقت شرارة الثورة الأميركية التي أدت الى إعلان الاستقلال عن التاج البريطاني في 4 يوليو 1776.
مازالت واقعة شاي بوسطن تتردد بين الأجيال الأميركية المتعاقبة وتعتبر يوما عظيما من أيام الأمة يفتخر به أبناؤها. وينظر المحافظون المتشددون نظرة خاصة وجذرية لحفلة شاي بوسطن ويعتبرونها رمزا لتطلعاتهم الوطنية وللعنفوان الأميركي.
ولد حزب الشاي من رحم الحزب الجمهوري ومن بيت المحافظين الجدد وظهر بقوة على الساحة السياسية الأميركية بعد انتخاب باراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة واشتداد الأزمة المالية عام 2009 التي أنهكت الاقتصاد الأميركي، واضطرت الحكومة على اثرها للتدخل بشكل غير مسبوق عبر حزمة «اجراءات انقاذ» لدعم المصارف والشركات.
وشكلت حركة الشاي مظلة أو تحالفا لمنظمات تجمعها نقاط عدة أبرزها الهجوم على الرئيس باراك اوباما الذي زادت حدة معارضة الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري له فاستخدم عبارة «ثورة الشاي» في إشارة إلى معارضة زيادة الضرائب وخطط التحفيز لإنقاذ الاقتصاد.
وتركز الحركة ايضا على عدم تقييد حرية الشركات بما فيها شركات الاستثمار والتأمين الصحي رغم مساوئها، ومنع زيادة الضرائب خصوصا على الأغنياء، وانتقاد الديموقراطيين والليبيراليين وحتى الجناح المعتدل في الحزب الجمهوري نفسه وتدعو الى التشدد في الحرب على الإرهاب. وبدأت الحركة تضع بصماتها القوية على الساحة السياسية الأميركية وتقلق الحزب الجمهوري المحافظ وتهدد شعبية الحزب الديموقراطي. وتحديدا قفز اسم «حزب الشاي» إلى الساحة الإعلامية العالمية يوم 28 اغسطس 2010 الماضي اثر قيام تظاهرة كبيرة في واشنطن شارك فيها 80 ألف أميركي طالبوا خلالها بالعودة الى القيم الأميركية المستوحاة من المسيحية النقية.
وعرف حزب الشاي نفسه على انه «حركة شعبية تدعو إلى وعي أي مسألة تتحدى الأمن والسيادة او الهدوء الداخلي لأمتنا المحبوبة الولايات المتحدة الأميركية». ومنذ تأسيسه اعتبر نفسه الصوت الحقيقي للأصحاب الفعليين للوطن اي للولايات المتحدة الأميركية واتخذ من عبارة «نحن الناس» شعارا له.
وعلى الصعيد الايديولوجي تتأرجح الحركة بين الفكر اليميني المحافظ والفكر اليميني المتطرف المتأثر بسلبيات ومخلفات الأزمة الاقتصادية الراهنة والرافض مطلقا لقرارات أوباما، وتركز حملتها السياسية الحالية وفق أول مؤتمر وطني عقدته في مدينة ناشفيل في ولاية تينيسي مؤخرا على النقاط التالية:
ـ مواجهة ما تعتبره «الاصلاحات الاشتراكية» التي قام بها الرئيس أوباما في المجال المالي والرعاية الصحية والدعوة مجددا الى الفردانية المطلقة.
ـ المطالبة بسياسة حماية الإنتاج المحلي ضد المنتوجات المستوردة من الخارج خصوصا من الصين والحث على زيادة استهلاك المنتوجات الأميركية لخلق فرص عمل للأميركيين.
ـ إعادة الاعتبار السياسي والاجتماعي للإنسان الأبيض الأنغلوسكسوني البروتستاني، الذي شكل العمود الفقري لشعب الولايات المتحدة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
ـ مواجهة سياسة التساهل مع الهجرة، وفي هذا المجال أيدت الحركة أبشع قانون لمكافحة الهجرة شهدته احدى الولايات الاميركية وتمسكت به وهو قانون الهجرة الذي اقر مؤخرا في ولاية أريزونا وتضمن تدابير مثيرة للجدل ولا تزال الحركة تطالب بتعميمه على جميع أنحاء البلاد. وفي الوقت عينه، تدعو المهاجرين الجدد الى احترام الثقافة الأميركية الأصيلة المتمثلة في الثقافة الانغليكانية.
ـ تأييد مطلق لإسرائيل والتحفظ على سياسة أوباما التصالحية مع العالم الإسلامي، ويعتبر قسم كبير من هذه الحركة وخاصة أحد ابرز وجوهها غلين بك الرئيس أوباما مسلما مدسوسا في البيت الأبيض يعمل على تقويض أسس البلاد.
ـ التخفيف من تدخل الولايات المتحدة في القضايا الدولية وعدم لعب دور شرطي العالم إلا حين تدعو الضرورة، وبرز اختلاف واضح بين أعضاء الحركة حول هذه المسألة.
انتشار واسع
نجحت حركة الشاي في تحقيق انتشار واسع في وقت قصير نسبيا بفضل نجومه السياسيين الذين يعبرون عن تطلعات الحركة ومنهم السياسي المخضرم رون بول ورجل الدين غلين بك وسارة بالين التي ترشحت لمنصب نائبة رئيس الولايات المتحدة مع جون ماكين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحققت الحركة فوزا معنويا بعدما تمكن الجمهوري سكوت براون الحامل لشعارات «حركة الشاي» من الفوز بمقعد ماساتشوسيتس الذي كان يشغله الديموقراطي العريق الراحل ادوارد كينيدي والذي كان يمثل النقيض السياسي والثقافي والاجتماعي لها.
ومن مفاجآت الحركة ايضا فوز كريستين أودونيل المدعومة من سارة بالين على النائب مايك كاستل الذي يدعمه الحزب الجمهوري لتصبح المرشحة لتمثيل ولاية ديلاوير في مجلس الشيوخ ما جعل رئيس الحزب في الولاية يقول انها لا تصلح لمنصب «إلقاء القبض على كلاب ضالة وانها كاذبة وواهمة».
وكذلك فوز كارل بلادينو على محبوب الجمهوريين ريك لازيو بعد ان خاض بلادينو المعركة الانتخابية وهو يجر كلبا شرسا وكان شعاره «انا غاضب كثيرا ولا استطيع ان أتحمل أكثر من ذلك» وترشيح الحاخام اليهودي ناخوم شيفرن عن ولاية كاليفورنيا. وتواجه الحركة ممثلي الحزب الديموقراطي بشراسة، وتنظر اليهم بعدائية مما اثار المخاوف من اقدام بعض المتطرفين على اغتيالهم وهذا ما دفع الشرطة الفيدرالية «إف بي آي» لتأمين حماية عدد من الديموقراطيين المحتمل استهدافهم. ومن ضمن السياسيين الذين تعرضوا للتهديد رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي وستيف كوهنغ ممثل ولاية تينيسي في الكونغرس وباتي موراي ممثلة ولاية واشنطن.
يتبين من تحليل برامج هذه الحركة وأفكارها وطروحاتها، أنها تشكل امتدادا للمحافظين الجدد الذين حكموا طيلة العقد الأول من القرن الواحد والعشرين وشنوا حروبا في أفغانستان والعراق وصفها البعض بالدينية وخلقوا جوا من التوتر مع عدد من دول العالم وخصوصا الدول الإسلامية. وإذا كانت حركة المحافظين الجدد نخبوية تبلورت عقيدتها كحصيلة لنتائج الأبحاث السياسية في مراكز الدراسات الاستراتيجية التي اسهمت في وضع أسسها ورسم خطط العمل اللازمة من اجل الوصول إلى مواقع في السلطة والهيمنة على القرار في واشنطن فان حركة الشاي تعتبر بمثابة تجديد لفكر المحافظين الجدد بطريقة شعبية وعفوية وساذجة تنبع من تذمر المواطن الاميركي الأبيض من سياسة أوباما وشعوره بأن الولايات المتحدة فقدت ريادتها في العالم لأنها فرطت في الأسس التي قام عليها المجتمع الأميركي.
تاريخيا تعتبر الحركة سليلة فكر الانتفاضات التي قام بها المحافظون من الجيلين السابقين: ثورة الضرائب أواخر السبعينيات والتحالف المسيحي والأكثرية الأخلاقية في الثمانينيات والتسعينيات وخطابات بات بوكانان اثناء حملاته الانتخابية التمهيدية للرئاسة.
وأجرت شركة وينستون وكوينيبياك استطلاعا للرأي حول اعضاء حزب الشاي فتبين ان جميعهم تقريبا من العرق الابيض ومن سن متوسطة اومتقدمين في السن مع غياب واضح لعنصر الشباب، ومن اكثرية من الرجال وقليل من النساء، غالبيتهم لم يكملوا تعليمهم الجامعي ومن اصحاب الدخل المتوسط.
ولذا يصف بعض علماء الاجتماع أوضاع المنتمين الى هذه الحركة بأنهم «شريحة هامشية من الطبقة الوسطى». انهم ينظرون بشزر نحو الأعلى حيث الأغنياء والمستثمرون، ويلقون النظرة نفسها نحو الأدنى أي أصحاب الدخل القليل والعمال الذين ينتمي معظمهم الى الأقليات. وتتأرجح آراؤهم السياسية حول من يلومون على سوء الأوضاع، الطبقة الأعلى ام الطبقة الأدنى.
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان معظم المنتمين الى الطبقة الوسطى يحملون افكارا يسارية ويواجهون جماعات المال في وول ستريت لكن في نصف القرن الماضي جنحت هذه الطبقة نحو اليمين وضمت مطالبها الى شكاوى اليمين من السود والفقراء والمهاجرين غير الشرعيين.
وتحتل العنصرية حيزا أساسيا في تفكير جماعة حزب الشاي فقد نقل عن امرأة من الحزب قولها: «في هذه المرحلة من حياتي لم أر اميركا تتحول مثلما هي عليه اليوم، أريد ان استعيد أميركا الخاصة بي». يصرح بعض قادة الشاي عن آرائهم علنا فيما لم تتبلور بعد صيغة المواقف العنصرية التي تتعذر صياغتها سياسيا لأسباب دستورية.
القضايا الدولية
يختلف أعضاء الحركة في رؤيتهم للعالم بين مطالبين بالكف عن التدخل في القضايا الدولية وهم الأكثرية وبين من يعتقد مثل بعض القريبين من المحافظين الجدد ضرورة استمرار الولايات المتحدة في قيادة العالم وهم الأقلية. وقد طالب رون بول احد أبطال حزب الشاي بإعادة النظر في السياسة الخارجية كلها ولجم الانفاق العسكري. وأضاف «انه لا يمكننا ان نقف ضد الحكومة في الداخل ونؤيدها في الخارج، لا يمكننا ان نتحدث عن المساءلة المالية فيما تنفق تريليونات الدولارات على احتلال باقي مناطق العالم ولا عن العجز في الموازنة والتقشف في الانفاق الداخلي من دون ان ننظر الى تكاليف الامبراطورية الأميركية المؤلفة من 700 قاعدة عسكرية في أكثر من 120 بلدا أجنبيا».
تركزت حملة حزب الشاي الانتخابية على الشؤون الداخلية بصورة أساسية لكنه من المتوقع ان تطبع السياسة الخارجية للحزب الجمهوري الذي حاز الأغلبية في مجلس النواب بأفكار حركة الشاي.
وفي مجال السياسة الخارجية يطرح الجمهوريون مسألة الملف النووي الإيراني والمخاوف الإسرائيلية من الإمكانيات والنوايا الإيرانية، وسوف يستغلون ذلك لتصوير سياسة اوباما بأنها ضعيفة وخائنة لإسرائيل وهي أهم حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في وقت يستمر صقورهم بقرع طبول الحرب على ايران. قال السيناتور جو ليبرمان في محاضرة في البحرين نظمتها المؤسسة الدولية للدراسات الاستراتيجية: آن الأوان لنوضح انه اذا استمر فشل الجهود الديبلوماسية والاستراتيجيات الاقتصادية في حمل إيران على تغيير سياستها النووية فإن الضربة العسكرية لن تكون مجرد افتراض بل حقيقة وسياسة بديلة لابد للولايات المتحدة ان تعتمدها. طرح بعض قادة حزب الشاي أفكارا يتبناها الجناح اليميني المتطرف داخل الحزب وهي الدعوة الى مبدأ الانعزالية في السياسة الخارجية. وهذا يعني كما قال السناتور الجمهوري ليندسي غراهام مؤخرا ان اشتباكا سوف يقع داخل الحزب الجمهوري حول السياسة الخارجية بين التدخل العسكري والدعوة الى الانعزال. هل يكون الجمهوريون على شفير معركة حول السياسة الخارجية تقسمهم كما انقسم الديموقراطيون في السبعينيات والثمانينيات؟ يأمل اليمين المتطرف والاحرار المتشددون ان يحصل ذلك.
المعركة المنتظرة
يجمع المحللون ان المعركة المنتظرة داخل الحزب لم تنشب بعد وان حظوظ اندلاعها قليلة.يتمتع المحافظون الجدد بمرونة تكتيكية لا يمكن مقارنتها بما لدى منافسيهم داخل الحزب الجمهوري وقد استعملوا تكتيكات عديدة لاستيعاب تحديات حزب الشاي. وصدر عن بعض كبار اليمين المتطرف الانعزاليين انتقادات جدية وذات مغزى لسياسة التدخل العسكري في الخارج، لكنهم استندوا في افكارهم إلى الوطنية الضيقة نفسها التي يؤمن بها حلفاؤهم مثل ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وهما من رموز الحرب على العراق.وعندما طرحت مسألة الحرب الأميركية على العراق سرعان ما اتحد اليمين المتطرف الانعزالي والوطنيون الضيقون وبعض المتشددين الجمهوريين واتخذوا الموقف نفسه منها.
ان فرص حزب الشاي لاحداث تغييرات في السياسة الخارجية الأميركية بدفعها نحو الانعزال ووقف التدخل الخارجي هي شبه معدومة، فقد أشارت استطلاعات الرأي مؤخرا ان جمهور حزب الشاي هم بشكل عام من الجمهوريين المؤيدين لايديولوجية اليمين المسيحي ومعظمهم راضون على السياسة الخارجية «المحاربة» للجمهوريين الوطنيين. يبدو ان احتمال تحول آراء بعض الأعضاء الجدد في الكونغرس من حزب الشاي حول مسائل في السياسة الخارجية ضئيل جدا وإذا حصلت بعض الاختلافات فهي لن تكون ذات مغزى.
اعتبر م.كانتور وهو عضو جمهوري في الكونغرس عن ولاية فيرجينيا ان إسرائيل هي احد كبار الرابحين في الانتخابات النصفية وان مجلس النواب الذي اصبح تحت سيطرة الأغلبية الجمهورية سوف يميل للدفاع عن نتنياهو ولو تطلب الامر الوقوف ضد الرئيس اوباما الذي طالبه مرارا بتجميد الاستيطان من اجل استئناف عملية السلام. لكن أعضاء حزب الشاي لهم موقف آخر فالعديد منهم يؤمنون بالانعزالية ومصممون على قطع المساعدات الخارجية مهما كان المتلقي، ونقل عن السناتور راند بول عن ولاية كنتاكي ومن زعماء حزب الشاي قوله امام اللجنة الأميركية ـ الإسرائيلية للعلاقات العامة (ايباك) إصرار جماعته على الاعتراض على المساعدات الخارجية ولدى سؤاله عن تأكيد ذلك طلب منهم التحدث بموضوع اخر.لن يستطيع أعضاء الكونغرس من حزب الشاي الاستقلال بالرأي عن الحزب الجمهوري وبالتالي سيكون لرأيهم بوقف المساعدات الخارجية وقع معنوي فقط.
وفي إطار رد الفعل على حزب الشاي وإثر الاهتمام الشعبي الذي ساد مع احتدام الجدل حول إصلاح النظام الصحي في الولايات المتحدة، تشكل حزب القهوة عبر موقع «فيس بوك» الاجتماعي، وأعطى المشهد السياسي الأميركي نكهة جديدة، وتروي مؤسسة هذه الحركة أنابيل بارك انه بفضل «فيس بوك» بدأنا كل شيء وتضيف «لقد سئمنا من حزب الشاي»، وقالت بارك، وهي أميركية ولدت في كوريا الجنوبية وتعتبر نفسها أقرب إلى الديموقراطيين «لقد أطلقت صفحة على «فيس بوك» للتعبير عما أفكر به، وبدأ عدد من الأشخاص الانضمام الي وقالوا: يجب أن نطلق حزبنا الخاص».
وتضيف بارك إنه بعدما نشرت مقالة في صحيفة واشنطن بوست، «انطلق الأمر»، مشيرة إلى أن آلاف الأشخاص بدأوا في الانضمام إليها. وقد أسس بعضهم لجانا محلية، ووضعنا برنامجا سياسيا «غير محازب» يستند إلى مشاركة أكبر للأميركيين في إدارته على عكس حزب الشاي.
وبعد أشهر، أصبح هناك «حزب القهوة» قادرا على تقديم مرشح لعضوية مجلس النواب وعلى جمع تواقيع 300 ألف مؤيد على صفحته على «فيس بوك»، مقابل 150 ألفا للجنة الوطنية للديموقراطيين، و186 ألفا للجمهوريين على سبيل المقارنة. وتقول بارك «إنه رد فعل من قبل كل الناس على حزب الشاي، لأنه في الصحف ووسائل الإعلام يفاخر حزب الشاي بأنه يمثل أميركا الحقيقية، ان مفهومهم للتغيير خطير». لكن المؤيدين لهذه الحركة على الانترنت لا يمكنهم منافسة القوة الضاربة لحزب الشاي القادر على حشد عشرات آلاف الأشخاص كما أثبت في تظاهرة واشنطن في يونيو 2010. ويقول مسؤولو حزب القهوة إنهم يعتزمون الانتقال من العالم الافتراضي إلى العمل الواقعي على الأرض كما حصل في ودبريدج، بولاية فيرجينيا حيث استعرضت أنابيل بارك الأوضاع مع ناشطين محليين وعقدت لقاء في احد المقاهي.
يفتقر هذا الحزب الى تاريخ والى قوى سياسية داخل الولايات المتحدة تشاركه بعضا من اهدافه وتطلعاته وهو لم يقدم أي طروحات سياسية غير ردة الفعل على انطلاق حزب الشاي وطروحاته وتعبيرا عن التذمر من المحافظين المتزمتين وليس له اي مساحة التقاء مشتركة مع الحزب الديموقراطي كما هو الحال بين حزب الشاي والحزب الجمهوري.
اذا كان الحزب الديموقراطي يستقطب الطبقات الفقيرة والسود والملونين والاقليات والليبيراليين فإن على حزب القهوة ان يكون بين هؤلاء او يشكل شخصية خاصة به ويكون طرحا سياسيا شاملا حتى يستطيع الخروج من وضعية ردة الفعل الى الفعل السياسي.
تتميز الأمة الأميركية بتنظيماتها السياسية غير المألوفة في العالم القديم حيث كانت الاحزاب السياسية تتشكل بوحي من مبادئ الثورة الفرنسية وتجاربها والديموقراطية البريطانية والثورة البلشفية والتراث الديني على تنوعاته، فمن الصعب على المتابعين فهم الفوارق بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي ومن الأصعب فهم هذه الظواهر مثل حزب الشاي ونقيضه الضعيف حزب القهوة.
تعود هذه الظواهر إلى ان هذه الأمة هي مجموعة من المستوطنين شكلوا شعبا ومجتمعات وليس لها تاريخ قديم او متجذر منذ آلاف السنين كما هو الحال في عالمنا القديم، ونظرا لان الولايات المتحدة هي اليوم القوة العظمى الوحيدة في العالم، تتخذ هذه الظواهر أهمية كبيرة يجدر متابعتها بسبب تأثيرها المحتمل على الاقتصاد العالمي ومصير شعوب عديدة في جميع أنحاء العالم.
ظواهر أميركية تبحث عن جذور
تتميز الأمة الأميركية بتنظيماتها السياسية غير المألوفة في العالم القديم حيث كانت الاحزاب السياسية تتشكل بوحي من مبادئ الثورة الفرنسية وتجاربها والديموقراطية البريطانية والثورة البلشفية والتراث الديني على تنوعاته، ومن الصعب على المتابعين فهم الفوارق بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي والأصعب فهم هذه الظواهر مثل حزب الشاي ونقيضه الضعيف حزب القهوة.
تعود هذه الظواهر الى ان هذه الأمة هي مجموعة من المستوطنين شكلوا شعبا ومجتمعات وليس لها تاريخ قديم او متجذر منذ آلاف السنين كما هو الحال في عالمنا القديم، ونظرا لان الولايات المتحدة هي اليوم القوة العظمى الوحيدة في العالم، تتخذ هذه الظواهر أهمية كبيرة تجدر متابعتها بسبب تأثيرها المحتمل على الاقتصاد العالمي ومصير شعوب عديدة في جميع أنحاء العالم.
* عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني