- هل يحسم النزاع لصالح إحدى القوى الإقليمية العظمى أم نظرية «التوازن» تستدعي الإبقاء على بؤرة للتوتر؟!
- أرض الصحـــراء ليست أرضــاً بلا مالك بل لهــا شعب له هويتـه الخاصـة وإرادته التـي يجب احترامهـا
فرج ناصر
قال مستشار رئيس الجبهة الشعبية لتحرير الصحراء الغربية (البوليساريو) الحرياطي الحسن حسين ان اقليم الصحراء الغربية يطل على 600 كيلومتر من المحيط الاطلسي والذي يعد واحدا من اكثر السواحل ثروة سمكية في العالم، كما يحتل اقليم الصحراء الغربية المرتبة الاولى عالميا في انتاج الفوسفات، وثروات باطنية متنوعة قد تشمل الغاز والنفط. واكد الحرياطي في حديث لـ «الأنباء» ان التصدع في التحالفات التي كانت قائمة في مرحلة الصراع الاولى في الاقليم حدا بكل الاطراف الى القبول بمبدأ الحل السلمي المرتكز على الاستغناء، مشيرا الى ان الصراع اصبح دائرا حول شروطه وآلياته وطبيعة المشرفين عليه، متسائلا: ولا ندري عن ملامح المشهد السياسي الدولي تجاه ذلك. واكد الحرياطي ان السلام الحقيقي يتلازم والاستقرار ويفترض تاليا ان يتم برضا الشعوب واقتناعها واطمئنانها وهذا لا يعني انه يفرض بالقوة بل يعمم عبر نشر قيم الحرية والعدالة والكرامة الانسانية واحترام حقوق الانسان.
وقال الحرياطي ان الصحراء الغربية هي منطقة ذات مناخ صحراوي مساحتها 284.000 كيلومتر مربع تقع شمال غرب أفريقيا. تحدها الجزائر من الشرق وموريتانيا من الجنوب والجنوب الشرقي ثم المغرب من الشمال والمحيط الاطلسي من الغرب. أكبر مدنها وعاصمتها العيون. يصل عدد سكان الصحراء الغربية الى 383.000 حسب احصائيات 2005. وشهدت في القرنين الثاني والثالث الاجتياح الروماني لمناطق شمال افريقيا مما أحدث تخلخلا في التركيبة الديموغرافية لسكان الصحراء الغربية. حيث قدمت من صحراء ليبيا ومناطق الشمال قبائل صنهاجة وزناتة البربرية واستقرت في الارض الصحراوية. وفي مطلع القرن الثامن الميلادي وصلت هجرات عربية من شبه الجزيرة العربية الى أرض الصحراء الغربية حاملة معها رسالة الاسلام. وقد حظي الدين الجديد بقبول كبير بين القبائل المحلية وانتشر فيها. مضيفا: وكان لدور الداعية الاسلامي الشيخ عبدالله بن ياسين موجه ومؤسس الدولة المرابطية منذ مطلع القرن الحادي عشر، أهمية كبيرة في تاريخ المنطقة، فبفضله عم المذهب المالكي الصحراء الغربية.
كما رسخ المسلمون في بلاد الصحراء أساس نظام اجتماعي متطور وأنعشوا الحياة الاقتصادية هناك، خاصة تجارة الذهب من مالي التي كانت تعرف في ذلك الوقت باسم السودان. وتوالت الهجرات العربية الى الصحراء الغربية خلال الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر. فوصلت اليها قبائل من بني حسان وبني هلال عن طريق مصر وتغلغلت بواسطة سيطرتها في منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب ومجمل أراضي موريتانيا. وبفضل شدتها تزايد نفوذها وطبعت المنطقة بطابعها العربي الاسلامي المميز. مضيفا: عرف الصحراويون قديما بنظامهم المتميز والمتمثل في مجلس ايت اربعين، بمعنى حكم الاربعين، وهو عبارة عن مجلس لأعيان القبائل تتم العضوية فيه على أساس الترشيح القبلي ورئاسته متداولة بين الاعضاء، وتصدر قراراته بالإجماع طبقا للاعراف والتقاليد وعلى قاعدة الشريعة الاسلامية. وقال أيت اربعين هي السلطة العليا التي تضم في تشكيلتها وجهاء الاعيان من كل القبائل الذين تفوضهم لتمثيلها. ويقوم المجلس بسن القوانين الملزمة للجميع ويسهر على الدفاع عن الوطن وتأمين المراعي، حضانة أبار المياه، الحفاظ على الاماكن الصالحة للحرث والإشراف على توزيعها ويراقب حدود التماس مع الجيران. كما انه معني بالتفاوض باسم القبائل. وقد تختلف التأويلات لمعنى الاسم (ايت اربعين) أو مجلس الاربعين كما يسميه البعض، فهناك من يرى ان الاسم يدل على عدد الاعضاء، حيث انه كان يتكون من اربعين عضوا. وهناك من يرى ان كلمة اربعين مرتبطة بعمر العضو، حيث لا تمكن العضوية في المجلس الا بعد بلوغ سن الاربعين. وأكد الحرياطي ان هناك الكثير من المراجع التي تشير الى تراث ايت اربعين المكتوب، ومنها ما ذكره الاسباني خليو كاروباروخا في كتابه دراسات صحراوية وكتاب جامع المهمات لمؤلفه المرحوم محمد سالم لحبيب الحسين، ونورد هنا نموذجا من التشريع الذي تبنته ايت اربعين في وثيقة مؤرخة في 24 ذو الحجة 1165 هجرية، والتي يؤكد فيها المجلس انه من بين الاسباب التي دعت الى قيامه:
ـ اقامة حدود الله.
ـ عدم وجود سلطان في الارض غير سلطان القبائل.
ـ أهمية السلطة لما توفره من أمن وحماية للجميع.
وفيما يلي مقتطفات من الوثيقة المذكورة: ... «وجعلوا أيضا فرائض فرضوها على من تحدى وخالف ما هو الاصلح بهم عقوبة له إذ لا يردع ولا يجزى الا بها». ونذكر من بين هذه العقوبات ما يلي:
ـ من أتلف حرث غيره فعقوبته 5 مثاقيل فضة.
ـ من سل مكحلة (من أشهر سلاحا) في وجه أحد فعقابه خمسة مثاقيل فضة، وان جرحه فابن لبون من الابل.
ـ من أكل أموال آخر ظلما فعقوبته وعقوبة من يساعده ابن لبون من الابل لكل واحد ويرد للمظلوم ما أخذ منه.
ـ من منع الشريعة (أي دعاه القاضي ولم يستجب) يغرم بعشرة مثاقيل فضة.
ـ كل قبيلة تعلن العداوة لقبيلة أخرى تدفع عشر نوق عشراوات.
وقال: هذه البنود القانونية التي يعود تاريخها الى أكثر من قرنين ونصف القرن من الزمن تبرهن على أن الصحراويين لا يقبلون الفوضى ويرفضون شريعة الغاب. وكل دارس متأن سيجد أنها تمجد الانسان والقيم الاخلاقية وتكتسي بطابع شمولي وارتباط عميق بالشريعة الاسلامية الحنيفة كمرجع أساسي وعادات وتقاليد شعب عربي نبيل في تعامله ومعاملاته كعماد وركيزة ثابتة. مضيفا: وبالرغم من صعوبة الظروف الطبيعية وتخلف وسائل الحياة عموما، قاوم الشعب الصحراوي العديد من المحاولات الاجنبية التي سببها الطمع في القوافل التجارية قديما والبحث عن مواقع استراتيجية على شواطئ أفريقيا التي اتجهت اليها الانظار بعد النهضة الاوروبية ونظرا للأهمية الاستراتيجية للصحراء الغربية والمتمثلة في:
ـ موقع جغرافي يربط أفريقيا بأوروبا.
ـ قربها من جزر الكناري الاسبانية.
ـ شواطئ غنية بمختلف أنواع الاسماك.
- احتمال وجود معادن من قبيل النفط والحديد وغيرهما
- قنطرة عبور للقوافل التجارية شمالا وجنوبا.
هذه الأسباب وغيرها تفسرها المحاولات الاستعمارية المتتالية على الصحراء الغربية، على مر القرون الماضية والتي نذكر منها:
وقال: وصول البعثات الاستكشافية الأوروبية الى الصحراء الغربية، اهتمام البرتغال، وقوى أوروبية أخرى بالصحراء الغربية، تجارة الذهب وريش الطيور والصمغ العربي، وظهور أوائل الاسبان على سواحل الصحراء الغربية، الذين انطلقوا من جزر الكناري للقيام بالنشاطات نفسها التي قام بها البرتغاليون 1444 – المغاربة 1583 – الإيطاليون 1869 – الإنجليز 1872 – البلجيكيون 1875 – الفرنسيون 1880 – الألمان 1883 – الاسبان 1884، مشيرا الى انه مع نهاية القرن الرابع عشر، وصلت جماعات من البرتغاليين والاسبان الى شواطئ الصحراء الغربية يحدوهم الأمل في الهيمنة على الطرق التجارية الصحراوية والسيطرة على منجم الذهب في مالي، وقد واجهتهم القبائل الصحراوية، ثم كان الاتفاق الاسباني – البرتغالي المعروف بمعاهدة (ترويسياس) وفيها حصلت اسبانيا على حق اخضاع المنطقة الصحراوية، والواقع ان علاقة اسبانيا بالمنطقة تعود الى سنة 1525، حيث كان البحارة الكناريون يقومون بالتبادل التجاري (المقايضة) مع سكان الساقية الحمراء ووادي الذهب، وبموجب هذا الاحتكاك أصبح بعض السكان على إلمام نسبي باللغة الاسبانية وأصبح التعايش ممكنا من وجهة نظر الطرفين.
1967: توقيع معاهدة مراكش بين السلطان المغربي محمد بن عبدالله والملك الاسباني كارلوس الثالث، التي يقر فيها السلطان المغربي بأنه لا سيادة له بعد وادي نون وهي منطقة تبعد عن الحدود الشمالية للصحراء الغربية بحوالي 300 كلم.
وأكد: ثم جاء مؤتمر برلين عام 1884 وفيه أقر الأوروبيون لاسبانيا بحقها في استعمار إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب، وبذلك حصل الاسبان على ما كانوا يحتاجونه لتشريع احتلالهم لمنطقة الصحراء الغربية، ورغم ان مقاومة الصحراويين لم تتوقف فقد شكل المجاهدون من الصحراء الغربية حلفا من الأشقاء في موريتانيا لمواجهة زحف المستعمر الفرنسي الذي اتضح انه مقدم على فرض هيمنته في المنطقة فتشكلت مقاومة مشتركة ضده امتدت من بداية القرن العشرين ولم تتوقف حتى منتصف الثلاثينيات من القرن نفسه. قبل ان يبسط الاستعمار سيطرته الكاملة على المنطقة، انكمشت المقاومة على نفسها في انتظار ظروف أفضل لفترة قاربت العشرين سنة لتظهر من جديد إرهاصات حروب تحرير وطنية أبانت عن نفسها بقوة في الجزائر منذ فاتح نوفمبر 1954 حيث خاض الشعب الجزائري حربا لا هوادة فيها ضد الجيش الفرنسي مدعوما بالحلف الأطلسي، بينما ظلت شعوب المنطقة الأخرى تقاوم المستعمر بطرق مختلفة ومتفاوتة، ومع ذلك فقد نالت كل من ليبيا والمغرب وتونس وموريتانيا استقلالا ما بين 1952 و1960 عن فرنسا واسبانيا وايطاليا لتبقى الصحراء الغربية مستعمرة من طرف اسبانيا، وحاول الصحراويون في النصف الأخير من خمسينيات القرن الماضي استئناف المقاومة المسلحة الا ان تلك المحاولة تم إجهاضها بعد سنة من بدايتها من قبل قوات اسبانية فرنسية مشتركة سنة 1958.
وقال بعد ذلك بعشر سنوات انتظم الصحراويون في حركة سياسية بقيادة الصحافي محمد سيد ابراهيم بصيري لكن عمرها لم يطل إذ تم قمعها عند أول ظهور علني لها يوم 17 يونيو 1970 بمدينة العيون كبرى مدن الإقليم، عندئذ بات التفكير في الرد بالعنف على العنف أمرا لا مفر منه، موضحا غير ان عوامل التاريخ والجغرافيا كانت ضد المشروع الاسباني في الصحراء. فقد قوي مطلب الاستقلال في الصحراء بفعل عوامل أهمها استقلال المستعمرتين الفرنسيتين الجارتين: المغرب وموريتانيا وانتصارات الثورة الجزائرية على المستوى الإقليمي، وخسارة الحركة الاستعمارية لمواقعها لصالح حركات التحرر على المستوى العالمي، فضلا عن الضغوط الديبلوماسية التي تمارسها دول الجوار على مستوى الهيئات الدولية ومساعي هذه الأخيرة الى تصفية الاستعمار بفعل انقسام العالم وقتها الى معسكرين اشتراكي ورأسمالي يدعم أولهما تحرر الشعوب انسجاما مع شعاراته وأطروحاته الأيديولوجية، ويشجع ثانيهما أعضاءه على التنازل عن الشكل المسلح للاستعمار سعيا الى الإبقاء على ما أمكن عن علاقات التبعية الاقتصادية والثقافية، مستدركا: ولعل الأقوى من كل هذه العوامل ما عرفه المجتمع الصحراوي من تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية ستعزز مطلب الاستقلال وستشكل دفعا جديدا للمقاومة المسلحة التي كانت قد خبت عقب هزيمة جيش التحرير في نهاية الخمسينيات، فقد اجتاح الصحراء خلال الستينيات جفاف أتى على الاقتصاد الرعوي، فاضطر السكان الى الهجرة نحو المراكز الحضرية – التي كانت الى ذلك الوقت عبارة عن مراكز صغيرة – حيث أصبحوا يتعايشون وجها لوجه مع جنود الاحتلال وموظفيه الإداريين.
وأكد الحرياطي: وقد أدى الاحتكاك داخل المدن التي كانت أقرب الى حاميات عسكرية الى الوعي أكثر بوضعية الصحراء كبلد محتل يحكمه الأجانب بالحديد والنار، فبدأ التحرك من داخل المدن الصحراوية لأول مرة، وتعد انتفاضة «الزملة» سنة 1970 في مدينة العيون عاصمة الإقليم ضد أسبنة الصحراء الأبلغ في التعبير عن هذا الوعي الجديد. وكانت هذه الانتفاضة التي رفع المشاركون فيها الشعارات المطالبة بالاستقلال والتي انتهت بقتل واعتقال العديد من الصحراويين من بينهم مؤسس الحركة محمد سيد ابراهيم بصري مجهول المصير حتى الآن، وشكل ذلك إيذانا ببدء مرحلة جديدة من الكفاح ضد المستعمر الاسباني، مضيفا: وفي العاشر من مايو سنة 1973 تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) لتبدأ العمل العسكري بعد 10 أيام من تأسيسها، مما دفع الاسبان الى الإعلان في السنة الموالية عن عزمهم على تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 1975. وبالفعل فقد شرعت مدريد في ترتيب البيت الصحراوي ما بعد اسبانيا من خلال المفاوضات مع مختلف الاطراف بهدف التوصل الى اتفاقات ثنائية تضمن مصالح الاسبان من جهة، وتبق على فتيل قابل للاشتعال متى ما استدعت ملفات اسبانيا العالقة في المنطقة ذلك، وفي هذا الاطار اجرت الحكومة الاسبانية لقاءات في سبتمبر 1975 مع البوليساريو كان موضوعها الاستقلال ومستقبل العلاقات، لتعقد في الشهر التاالي مباشرة اتفاق مدريد مع المغرب وموريتانيا والذي تتخلى بموجبه عن ادارة الصحراء لصالح البلدين، مضيفا: وفي هذه الاثناء كانت الاطراف المطالبة بالصحراء تستعد لاقتطاف الثمرة اليانعة كل بطريقته، فالبوليساريو تكثف نضالاتها بنسف وتدمير محطات الحزام الناقل للفوسفات وتأجيج المظاهرات المطالبة بالاستقلال لتعم المدن الصحراوية، بينما اتجهت المغرب وموريتانيا الى محكمة العدل الدولية التي اعطت في اكتوبر 1975 رأيا استشاريا حول طبيعة روابط البلدين مع المجموعة الصحراوية فسره كل طرف لصالحه رغم وضوحه بشأن مسألة تصفية الاستعمار وضرورة تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير، غير ان المغرب بادر بالاعلان عن تنظيم مسيرة سماها بالخضراء الى الصحراء في 16 اكتوبر 1975 اي في نفس اليوم الذي صدر فيه رأي محكمة لاهاي، الشيء الذي سرع بإتمام اسبانيا لانسحابها خلال 1976 فبراير شهر الاعلان عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية بمباركة ودعم من الجزائر التي اعلنت رفضها لاتفاق مدريد، وهكذا تحولت تصفية الاستعمار في الصحراء من حل لمشكلة الاقليم الى تفجير لصراع محتدم بين الجيران الاشقاء.
المرحلة الدموية
وهي الممتدة من اتفاقية مدريد سنة 1975 بين اسبانيا والمغرب وموريتانيا الى اتفاق المبادئ سنة 1988 بين المغرب والبوليساريو، وقد امتازت هذه المرحلة بقيام معارك ضارية دار بعضها في الجزء الموريتاني من الصحراء متجاوزا نطاق الاراضي الصحراوية احيانا، بتنفيذ هجمات عديدة على مدن في عمق الاراضي الموريتانية بما في ذلك الهجوم مرتين على العاصمة نواكشوط، مؤكدا ان فترة ما قبل انسحاب موريتانيا من الصحراء من هذه المرحلة اتسمت باعتماد استراتيجية ضرب الحلقة الضعيفة، فتم التركيز على موريتانيا الطرف الاضعف لتكسير التحالف المغربي الموريتاني الذي اخذ يتسع بتدخل القوات الفرنسية لتوفير غطاء جوي للجيش الموريتاني، وبالفعل نجحت البوليساريو في تحقيق هذا الهدف واستطاعت ان تدفع الجيش الموريتاني الى قلب نظام الحكم والبدء في اجراءات الانسحاب من الصحراء سنة 1979.
وقد دارت أهم المعارك في المرحلة الدموية حول: إنال، العرقوب، تشلة، ضد القطار الناقل لحديد موريتانيا باعتبار ذلك الجزء الاهم في اقتصاد البلد، بنشاب، أوسرد ونواكشوط، مع الجيش الموريتاني، أما مع الجيش المغربي فشمل كل الصحراء الغربية وأرجاء كبيرة من الجنوب المغربي ونذكر على سبيل المثال السمارة بيرنزران، وبوكراع. وقلتة زمر والمحبس وبوجدور، وفي المغرب طانطان، امحاميد الغزلان، سيد اعمارة، اقا وطاطا وغير ذلك من الحامية العسكرية المغربية. غير أن استنزاف قوة الجيشين (المغربي والصحراوي) في هذه المرحلة وانتهاء الحرب الباردة وثنائية القطبين ربما مهدت للمرحلة الثانية.
المرحلة الديبلوماسية
وأكد: هذه هي المرحلة الممتدة من اتفاق المبادئ سنة 1988 بين المغرب وجبهة البوليساريو الى الآن. وتمتاز هذه المرحلة بتصدع التحالفات التي كانت قائمة خلال المرحلة الاولى من الصراع، بخروج موريتانيا من حرب الصحراء، وانشغال الجزائر بأزمتها الداخلية، وتفاقم المشاكل الحدودية بين المغرب واسبانيا، وارتباك فرنسا بفعل تقلبات الساحة الدولية، وتنامي ظاهرة المد الاصولي في منطقة نفوذها التقليدية وغير بعيد عن مدنها الجنوبية، حيث الجاليات المغاربية... الخ. مضيفا: ولعل هذا التصدع في التحالفات ـ اضافة الى أعباء الحرب (المادية والنفسية) ـ هو ما حدا بكل الاطراف الى قبول مبدأ الحل السلمي المرتكز على الاستفتاء الذي أصبح الصراع دائرا حول شروطه وآلياته وطبيعة المشرفين عليه... إلخ. فهل تسمح ملامح المشهد السياسي الدولي بحسم هذا النزاع لصالح احدى القوى الاقليمية «العظمى» أم أن «توازن التخلف والتبعية» في هذه النقطة من العالم العربي والاسلامي يستدعي الابقاء على بؤرة للتوتر؟ وهل يكون تراجع أصوات الحسم العسكري في هذه المرحلة لصالح الحل السياسي كفيلا بإنهاء المشكلة؟ أم أن الحل كسراب الصحراء (يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا)؟ لنترك الزمن يجيب عن هذه الاسئلة وغيرها كثير.
وقال الحرياطي: وفي نهاية هذا العرض لبعض أطوار نزاع الصحراء الغربية نرى أنه لابد من خلاصة تحدد وجهة نظر الطرف الصحراوي حول الآفاق على ضوء التطورات التي شهدتها القضية. فلو سلمنا جدلا بان المستهدف في الوقت الحالي هو التوصل الى حل سياسي متفق بشأنه يضمن للشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير، ومن ثم نصدق ان الدعوة لجولات جديدة من المفاوضات غير الرسمية ستفتح آفاق السلام، فإننا نؤكد ان السلام الحقيقي يتلازم والاستقرار ويفترض تاليا ان يتم برضا الشعوب واقتناعها واطمئنانها وهذا يعني بالضرورة انه لا يفرض بالقوة كما يريد المغرب ان يفعل من خلال مقترحاته التي لا تحترم الارادة الحرة للشعب الصحراوي، بل يعمم عبر نشر قيم الحرية، العدالة والكرامة الانسانية واحترام حقوق الانسان وهي التي لا تكون حصينة الا في كنف ممارسات ديموقراطية فعالة تكون فيها الكلمة للارادة الشعبية والتي تختصر هنا في تمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره وحريته في قول كلمته الفصل، وبالتالي فإن كل حل لا يأتي بتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة هذا الحق المكفول له من قبل أعلى هيئة دولية سيكون إنكارا للعدالة، وتكريسا لموقف المحتل ومكافأة له على احتلال الصحراء الغربية بالقوة غير المشروعة وهو ما يتنافى ومبادئ السلام. وأشار الحرياطي الى ان نزاع الصحراء الغربية الذي امتد الى ما بعد الحرب الباردة، بل الى ما بعد انهيار برجي التجارة العالميين الذي أصبح تاريخا يفصل بين حقبة من الزمن وأخرى، ودخل بالتالي في معترك زمن العولمة والحرب على الارهاب، وصدام الحضارات، لا يمكن بأي حال من الاحوال أن نفهمه داخل احد هذه السياقات، بل علينا ان نعالجه في إطار سياقه التاريخي المتمثل في كون المسألة قضية تصفية استعمار لم تكتمل فصولها بعد ولاتزال على اجندة الامم المتحدة تنتظر الحل. مضيفا: هذه النظرة المعتدلة التي تستبعد المعالجات غير المدروسة لوضع متفجر يجب ألا تحجب تلك الحقائق الساطعة التي تحمل فيما تحمل في طياتها المعاني العميقة لتصلب عود المقاومة الصحراوية السلمية في الاراضي المحتلة موازاة مع حكمة قيادة جبهة البوليساريو في تعاطيها مع تداعيات النزاع بقطع الطريق على الذين يريدون إيهام الرأي العام العالمي على انهم القادرون على صنع الاحداث وتوجيهها عبر محاولة فرض الامر الواقع. وبالطبع نعني صمود أمينة حيدر، تلك المرأة الصحراوية البطلة التي غيرت أكثر من معطى في مسار هذا النزاع الذي دام أكثر من اللازم وأعطت للمقاومة السلمية الباسلة حمولة من أسباب الصمود النفسي والمعنوي وحتى المادي، فثلاثون يوما من الإضراب عن الطعام في مطار جزيرة لانثاروطي الكنارية لم يبق حدثا معزولا لامرأة رفضت أن تتخلى عن وطنها قسرا، بل كان ملحمة بطولية لشعب عرف هو الآخر كيف يكتب التاريخ من خلال صنع المآثر كم حدث أخيرا مع ملحمة «مخيم اكديم ازيك» الغني عن التعريف والذي دوى صيته في جميع أرجاء المعمورة، هذان العنصران البارزان في هذه المرحلة يشكلان مع نزعة متصاعدة نحو الحرب في صفوف الشباب الصحراوي سببا وجيها لحفز القوى الفاعلة وفي مقدمتها الامم المتحدة على الإسراع بفرض عودة المغرب الى جادة الصواب والانصياع للشرعية الدولية وتطبيق قرارات الأمم المتحدة الداعية لتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره عبر آلية الاستفتاء الذي يعتبر المخرج الديموقراطي الذي اتفق الطرفان بشأنه والذي يعتبر ممرا إجباريا في آخر المطاف، لأن المجتمع الدولي أقره والطرفين قبلا به.
أقطــاب النزاع وعوامــل استمرار الأزمة
عن أقطاب النزاع يقول مستشار ورئيس الجبهة الشعبية: لعل اهم ما قيل في هذا السياق ما كتبته الباحثة الموريتانية فاطمة بنت عبدالوهاب حيث تقول: «المغرب لا يريد التفريط في اقليم يحتل المرتبة الاولى عالميا في انتاج الفوسفات والجزائر ترى في ضم اقليم الصحراء للمغرب تشجيعا لمطامعه التوسعية على حسابها وموريتانيا ترى في ضم نصيبها من الصحراء توحيدا للمجموعة البيظانية والبوليساريو ترى ان الصحراء ليست ارضا بلا مالك، كما كانت تزعم اسبانيا ايام الاحتلال، لقد خرجت اسبانيا من الصحراء اذن، لكن بعد ان زرعتها ألغاما وخلافات تغذيها صراعات الامس ومصالح اليوم ومطامع المستقبل، فالمغرب ـ الذي ورث عن الاستعمار حدودا يعتبرها تآمرية على ارض المملكة التاريخية باقتطاع تيندوف للجزائر وكل اراضي موريتانيا ـ لا يمكن ان يفرط في هذا الاقليم الذي يمكنه من امتلاك 600 كم على واحد من اكثر السواحل ثروة سمكية في العالم، واحتلال المرتبة الاولى عالميا في انتاج الفوسفات، وثروات باطنية متنوعة قد تشمل الغاز والنفط، فضلا عن التموقع في منطقة استراتيجية لأمن اوروبا مما يمنحه امكانيات اكبر للمناورة. واكد: الجزائر ذات النظام الجمهوري والتوجه الثوري ترى في ضم اقليم الصحراء الى المملكة ذات الاطماع التوسعية اصلا في الجزائر ـ والتي سبق ان خاضت معها معارك «حرب الرمال» على السيادة في منطقة تيندوف بعد استقلالها بعام واحد ـ تشجيعا لهذه المطامع ودعما لموقعها الاستراتيجي على حساب الجزائر منافستها على زعامة المنطقة، لذلك فإن خيارها الافضل هو التشبث بمبدأ استقلال الصحراء، مضيفا اما موريتانيا التي اعلنت على لسان اول رئيس لها المطالبة بالصحراء الغربية سنة 1957 اي قبل ان تحصل على الاستقلال فإنها رأت في ضم نصيبها من الصحراء (وادي الذهب) تحقيقا لبعض مطالبها بتوحيد المجموعة البيظانية وابعادا لخطر احتمال عودة المغرب الى مطالبه القديمة بضمها، وان كانت ستخسر صداقة الجزائر حليفها الاسبق الذي قدم لها الدعم الاقتصادي والسياسي. وقال الحرياطي: وبالنسبة للبوليساريو فإن الصحراء ليست ارضا بلا مالك كما كانت تزعم اسبانيا ايام الاحتلال، بل ان الصحراويين شعب له هويته الخاصة وارادته التي يجب احترامها، والصحراويون الذين اخرجوا الاسبان بقوة السلاح قادرون على مواصلة الكفاح المسلح ضد اي طرف يحتل ارضهم او اطراف تقتسمها حتى التحرير واقامة الدولة المستقلة، وكانت تغذي هذه التناقضات مصالح القوى الاستعمارية التقليدية (اسبانيا وفرنسا) وصراعات الحرب الباردة، وهكذا فبدخول القوات المغربية والموريتانية ارض الصحراء دوت المدافع بين مقاتلي البوليساريو من جهة والقوات المغربية والموريتانية من جهة ثانية، مؤذنة باندلاع صراع مزمن اشتعل طويلا ولايزال قابلا للاشتعال في اية لحظة، ويمكن ان نميز خلال هذا الصراع مرحلتين حتى الآن.