عندما دخل الرئيس الأميركي باراك أوباما البيت الأبيض مطلع العام 2009 كان حجم الآمال المعقودة عليه كبيرا، وكذلك الرهان على التغيير في السياسة الأميركية بعدما حمل شعار التغيير وتحسين الصورة وحل المشاكل ومعالجة ذيول وآثار التركة الثقيلة وخيبات الأمل التي خلفها الرئيس جورج بوش.
كل المؤشرات مع وصول أول رئيس أسود إلى رئاسة الولايات المتحدة وهو أكثر الرؤساء شعبية في جيله ومزودا بتفويض للتصرف كانت تفيد بان أوباما سيتخذ خطوات سريعة وواضحة في اتجاه إعادة بناء الهيبة المعنوية والأخلاقية للولايات المتحدة، وان التفاعل مع الملفات سيتم من دون أفكار مسبقة وأيديولوجية، وستتم إعادة نظر جذرية في السياسات الأميركية، وسيتم وضع حلول للمشاكل العالقة والمتفجرة في العالم والشرق الأوسط، وستكون الانجازات والتغييرات سريعة وتدخل المنطقة مرحلة الحلول والسلام.
ولكن ما حصل ان التغيير الأميركي لم يكن في المستوى والحجم المنتظرين، وإنما كان تغييرا في الأساليب وطرق المقاربة للملفات أكثر منه تغييرا في الاستراتيجيات والأهداف، وان أي اختراق وتقدم فعلي لم يحدث في أي من الملفات الأساسية من أفغانستان الى ايران ومن العراق الى فلسطين، وان الإدارة الأميركية الجديدة لم تبلور استراتيجيتها الواضحة والنهائية في المنطقة ولم تحقق نجاحات، لا بل عرفت إخفاقات مبكرة، خصوصا على صعيد عملية السلام ورد الاعتبار إليها، حتى انها لم تنجح في مجرد استئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية بعدما اصطدمت بحكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، وبوضع فلسطيني منقسم على ذاته وغير مشجع على اتخاذ مبادرات.
ربما تكون الخيبة من أوباما إحدى أبرز عناوين و«أحداث» العام 2009، وربما يكون التخبط الأميركي في اعتماد استراتيجية واضحة واتخاذ قرارات حاسمة من أبرز الأسباب التي أدت إلى بقاء الشرق الأوسط في حال المراوحة والغموض من دون أي تغيير يذكر في ملفين أساسيين يستقطبان مجمل الحركة الدولية والاقليمية: ملف عملية السلام والملف النووي الإيراني، ومن دون أدنى انجازات واختراقات للإدارة الأميركية الجديدة، ليقتصر الوضع على مجموعة أحداث وعناوين متفرقة ومتفاوتة الأهمية أبرزها:
1 ـ احتدام الخلاف بين حركتي فتح وحماس وتعمق الانقسام السياسي والجغرافي بين كيانين ومشروعين. وكان هذا من أبرز نتائج وتداعيات حرب غزة، ولم تفلح جهود الوساطة والمبادرة المصرية في رأب الصدع وتحقيق المصالحة على الساحة الفلسطينية، فكان ان أدى هذا الوضع إلى تعقيد ظروف إعادة تحريك عملية السلام.
2 ـ وصول اليمين المتطرف الى الحكم في إسرائيل بتحالف يقوده بنيامين نتنياهو، لتعلن انتخابات فبراير الماضي عن أفول عصر الايديولوجية اليسارية وعن انهيار حزب العمل التاريخي، وتراجع معسكر السلام وتعاظم الـ «فوبيا الوجودية» داخل المجتمع اليهودي وثقافة كراهية العرب.
3 ـ المصالحات العربية التي أخذ المبادرة إليها والخطوة الأولى فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الكويت، ولكنها انحصرت فعليا في المصالحة السورية ـ السعودية. فلم تتطور إلى إحياء المحور المصري ـ السوري ـ السعودي حتى الآن، كما انها لم تحدث تطورا نوعيا وتحولا عمليا في مسار العلاقات العربية ـ العربية وعلى صعيد صياغة استراتيجية موحدة لمواجهة التحديات والأوضاع الضاغطة والمتشابكة، من صعود اليمين المتطرف في إسرائيل الى ضياع جهود السلام وفكرة الدولتين، ومن تنامي قوة إيران وتوسع تغلغلها في العالم العربي الى رؤية العراق يراوح مكانه في عملية سياسية تراوح مكانها ووضع أمني هش يختزن كل عوامل التفجير بعد انسحاب الأميركيين، ومن تفشي عوارض الفوضى والتفكك في عدة دول عربية (اليمن والصومال والسودان) الى فشل العرب، أنظمة ومحاور ومؤسسات (الجامعة العربية)، في ملء الفراغ الناجم عن «سقوط العراق» والثقوب الواسعة في جسد الأمن العربي.
4 ـ تعثر عملية الانفتاح الأميركي على إيران نتيجة تطورين وعاملين أساسيين: الانتخابات الرئاسية في إيران وما أعقبتها من اهتزازات واضطرابات داخلية دفعت بإدارة أوباما إلى تجميد مشروع الحوار مع طهران الى حين اتضاح وتبلور الوضع الجديد وآفاقه الداخلية وتأثيراته على السياسة الإيرانية الجديدة، والسياسة الإسرائيلية التي تضغط في اتجاه «الملف النووي الإيراني» كأولوية مطلقة ومصدر قلق وخطورة. ولقد نجحت حكومة نتنياهو إلى حد بعيد في فرض جدول أعمالها وفي احداث تغيير في الأجندة الأميركية التي لم تعد فيها عملية السلام في المرتبة الأولى.
5 ـ «تطور مذهل» في العلاقات السورية ـ التركية التي بلغت هذا العام مرتبة التحالف وشهدت قيام مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي وإلغاء الحدود (تأشيرات الدخول) وإجراء مناورات عسكرية مشتركة.
6 ـ تراجع «مثير» في العلاقات الإسرائيلية ـ التركية بدأ خلال حرب غزة وتطور بعدها وأثار قلق إسرائيل إزاء منعطف خطير في علاقات تركيا بها وسياسة العداء تجاهها وإزاء تغيير ملموس يقوده أردوغان غير المعني بتطوير علاقات تركيا مع إسرائيل، والمهتم بعملية التقارب مع كل من سورية وإيران.
7 ـ الأزمة السورية ـ العراقية التي انفجرت على خلفية الاتهامات التي وجهتها حكومة المالكي للمخابرات السورية بالوقوف وراء التفجيرات الدموية في بغداد، وبمعزل عن هذا الاتهام الرسمي وصحته أو عدم صحته، وبمعزل عن أسبابه وما إذا كان له صلة بالحسابات الانتخابية للمالكي أو بالتوازن المهزوز في العلاقة الإيرانية ـ السورية على أرض العراق، فإن ما حصل يشير إلى ان التحالف السوري ـ العراقي خط أحمر لأنه يغير وجه المنطقة والمعادلات في الشرق الأوسط، والى ان العراق خسر التواصل مع عمقه العربي المباشر.
8 ـ الأزمة السياسية الإيرانية الداخلية التي نشأت في أعقاب الانتخابات الرئاسية واحتجاج المعارضة على إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، وهذه الأزمة «نزلت» الى الشارع وجرى احتواؤها «بالقوة» والسيطرة عليها، ولكن ترتب عليها مفاعيل داخلية (اهتزاز استقرار وصورة النظام الإيراني) وخارجية (إعادة نظر أميركية بالحوار مع إيران وتجميد القرارات إزاءها لإفساح المجال أمام تطور الوضع الداخلي بانتظار ما سيؤول اليه).
واذا كان العام 2009 عاما انتقاليا في سنة أوباما الأولى ولم تسجل فيه تطورات واختراقات في أي اتجاه، فإن العام 2010 سيكون عاما مفصليا لأن ادارة أوباما مضطرة لأن تأخذ قرارات صعبة ومبادرات حاسمة في عامها الثاني بعدما انتهت فترة السماح والمراجعة، وقبل ان يحين موعد الانسحاب الاميركي من العراق.
وأما التوقعات والتقديرات في شأن تطور الوضع في الشرق الأوسط والملفات الساخنة في العام 2010، فإنها تميل في معظمها الى السلبية والحذر الشديد ومن أبرزها:
لا تقدم في عملية السلام رغم مبادرات وتحركات ستحصل ومؤتمرات دولية ستعقد. ومن الصعب رؤية استئناف المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. فلا اسرائيل تريد الدخول في مفاوضات بذريعة الا وجود لشريك فلسطيني قادر على ابرام اتفاقات والإيفاء بالتزاماته، ولا السلطة الفلسطينية قادرة سياسيا في ظل الانقسام الفلسطيني على الدخول في مفاوضات من دون مرجعية منتخبة ومن دون ضمانات مسبقة.
الأوضاع سائرة الى تأزم واستنقاع واستنزاف في أكثر من دولة عربية: اليمن الذي تحول نقطة متفجرة على الخارطة الخليجية والعربية، السودان الذي يقترب من استحقاقات انتخابية واستفتاء مصيري في الجنوب، والعراق الذي يستعد لمواجهة مرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي.
الملف النووي الايراني هو الملف الشرق أوسطي الأول على الأجندة الدولية للعام 2010 في ظل مؤشرات تفيد بان الحل الديبلوماسي لهذا الملف الى انحسار وان خيار العقوبات يتقدم مجددا، ولكن الخيار العسكري يظل مستبعدا هذا العام ومؤجلا الى العام 2011، خصوصا اذا كان خيار اسرائيل لوحدها يقع على عاتقها ويتطلب تحضير المسرح الاقليمي واحتواء أذرعة ايران العسكرية المحيطة بإسرائيل من جهتي الشمال (حزب الله) والجنوب (حماس).
ولكن سيناريوهات الحرب بين ايران واسرائيل يقابلها حديث متنام عن حرب جديدة تخطط لها اسرائيل ضد لبنان وحزب الله، وكانت باشرت الاعداد لها منذ العام 2006، وهذه الحرب التي يجري التداول بها في الدوائر والكواليس الديبلوماسية الغربية، يمكن ان تقع في اطار خمس سيناريوهات:
1ـ تقرر اسرائيل توجيه ضربة عسكرية للمنشآت الايرانية مصحوبة بضربات موازية لحماس وحزب الله (حرب شاملة).
2ـ تقرر اسرائيل ضرب حزب الله وحماس ضربة استباقية ممهدة لضرب ايران فيما بعد.
3ـ تقرر اسرائيل ضرب ايران، ويرد حزب الله بتحريك الجبهة اللبنانية ـ الاسرائيلية وتوجيه ضربات صاروخية الى العمق الاسرائيلي.
4ـ يقرر حزب الله ردا انتقاميا على اغتيال قائده العسكري عماد مغنية باغتيال شخصية اسرائيلية مرموقة أو بتفجير هدف اسرائيلي كبير، وترد اسرائيل بضربة تدميرية لحزب الله الذي لا مصلحة له في الحرب وفي اعطاء ذريعة لإسرائيل في هذه المرحلة (الاحتمال الأضعف).
5ـ يتم التوصل الى اتفاق دولي ايراني حول الملف النووي ودور ايران في المنطقة، وهذا الاتفاق يعطل امكانات شن حرب اسرائيلية على ايران ولكنه لا يعطل امكانية الحرب الاسرائيلية في اتجاهات أخرى في ظل ضوء أخضر دولي غير مباشر أو ما يمكن تسميته «عدم الممانعة» كبديل عن الموافقة الصريحة، ذلك ان اسرائيل التي تكون قد دفعت الى التعايش والتكيف مع «ايران نووية» يمكن ان تبادر الى التخفيف من وقع هذا الوضع الجديد بضرب امتدادات ايران في المنطقة وحول اسرائيل، ويمكن ان تجد من قبل المجتمع الدولي «غض طرف» بعدما يكون أعطى ايران الجائزة الكبرى يعطي اسرائيل «جائزة ترضية».