لماذا تنظر إلى المصيبة دائما أنها من نكد الدهر وشؤم الزمن، فتقضي لياليك بالأرق ونهارك بالحسرة وشتم الأيام، فالمصائب ما هي إلا ستار أسدل ليخفي وراءه كنوزا ثمينة، يستخرجها من يحسن تحريك الستار.
الشيخ المقرئ عبدالباسط عبد الصمد، عندما كان صغيرا لم يدخله أبوه المدرسة الإعدادية، من أجل أن يعمل مزارعا، وكان الفتى عبدالباسط يتوق للذهاب مع رفاقه الفتيان إذا رآهم يذهبون يوميا في الصباح إلى المدرسة بينما هو قابع في مزرعة أبيه يعمل فيها، وبدلا من المدرسة كان يذهب إلى شيخ يدرس على يديه القرآن ويحفظه، فأعجب الشيخ بصوته فأصبح عبدالباسط بعد ذلك شيخا في القرآن في العالم أجمع، بل هو أول من سجل القراءات السبع، يسمع له الآلاف بل الملايين من المسلمين على مدى عقود من الزمن.
وكذلك الشيخ محمد رفعت الذي فقد عينيه في صغره، وبسبب ذلك توجه إلى حفظ القرآن وعمره 5 سنوات وأتمه في التاسعة، فكان صوته أول صوت ينطلق من الإذاعة المصرية عام 1934، فلا تضيع وقتك بالحسرة على المصيبة بل انتفع بها لترتقي.
يوسف عليه السلام لما ألقاه إخوته في البئر وعمره ست سنوات، ثم صار مملوكا لعزيز مصر ثم اتهم بالزنا فسجنه عزيز مصر ظلما، كانت هذه المصائب سلم الوصول ليصبح عزيز مصر بدلا من الذي ظلمه ورئيس الوزراء، وهذا لم يخطر في قلب أحد من الخلق، ثم سجد له الإخوة الذين ظلموه وألقوه في الجب.
والإمام أحمد بن حنبل لو لم يفتن بفتنة خلق القرآن، ولو لم يجلد ويعذب في الله تعالى ويصبر، لما أصبح إمام أهل السنة والجماعة يفخر العلماء بالانتساب إلى عقيدته.
لا تتمن المصيبة ولا تطلبها، ولكن إذا وقعت فاهتبلها طريقا لاقتناء كنوز لم تخطر في ذهنك، فما يقدره الله تعالى للعبد كله خير (والخير بيديك والشر ليس إليك)، ولكن أين الذي يبحث عن حبل الستارة ليزيحها عن كنوزها المخبوءة خلفها.