- قضية التكفير قضية شرعية لها ضوابط وشروط لا يجوز للإنسان أن يحكم فيها بعقله أو بهواه
أكد الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر والأستاذ في قسم العقيدة د.عبدالله شاكر أن جماعة أنصار السنة المحمدية ليست حزبا سياسيا، وإنما هي مؤسسة علمية دعوية تطوعية مرخصة وتعمل في إطار الدولة، وتوالى عليها علماء مصريون كبار أمثال المحدث أحمد شاكر ومحمد حامد الفقهي وغيرهم، مشيرا إلى أنها تنتهج منهجا سلفيا إصلاحيا موافقا عقيدة أهل السنة والجماعة في التلقي والاستدلال، والاعتقاد والاتباع من خلال الدعوة إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع والخرافات. وأوضح د.عبدالله شاكر في لقائه مع «الأنباء» على خلفية مشاركته في مؤتمر الوسطية المقام في جمعية إحياء التراث الإسلامي برعاية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن قضية التكفير قضية شرعية لها ضوابطها وشروطها فلا يجوز للإنسان أن يحكم فيها عقله أو هواه، لافتا إلى أن مصطلح السلفية ليس مصطلحا مخترعا، بل هو مبثوث في كتب العلماء الأولين ويريدون بها دعوة الناس للرجوع إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وأضاف أن جماعة أنصار السنة المحمدية ينأون بأنفسهم عن دخول المعترك السياسي في مصر في هذه الفترة، خاصة في ظل عدم إتضاح الرؤية ووجود مخاطر كثيرة وسلبيات، مشيرا إلى أن الدولة ليس لها موقفا معاديا مع أعمال الجماعة الدعوية والخيرية. ودعا د.شاكر إلى الرفق واللين مع المخالفين ممن هم في فلك الإسلام، وإلتزام هدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، مبينا أن منهج السلف بريء مما اتهم به من تكفير وخروج على ولاة الأمر وغلظة مع مخالفيه، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
مَن من العلماء البارزين في مصر الذين عملوا ضمن جماعة أنصار السنة المحمدية؟
تعاقب على هذه الجمعية أئمة أعلام، منهم المحدث المشهور الشيخ أحمد محمد شاكر رحمة الله عليه، وقد كان عضو علماء الجمعية في عهده، كما كان رئيس مجلة الهدي النبوي التي كانت تصدرها الجمعية آنذاك والتي أنشأها الشيخ محمد حامد الفقهي، وحاليا الجمعية قامت بإصدار مجلة التوحيد بدلا من الهدي النبوي.
لسنا حزبا
هل يمكن لنا أن نفهم أن جماعة أنصار السنة المحمدية تعد حزبا من الأحزاب التي تنتشر في مصر؟
جماعة أنصار السنة المحمدية ليست حزبا من الأحزاب، وإنما هي مؤسسة علمية دعوية تطوعية تعمل في إطار شرعي، وعندما أنشئت سجلت في وزارة الشؤون الاجتماعية، فهي مرخصة، ولدينا رقابة شرعية وإشراف من وزارة التطور الاجتماعية، بل نحن ندعى في المناسبات الرسمية باعتبارنا جزءا من الدولة.
كلمة «سلفية» ليست مخترعة
نود منكم تعليقا على ما صرح به مؤخرا مفتي الأزهر أحمد الطيب واتهامه للفكر السلفي بأنه فكر طارئ وعمره لا يتجاوز 200 عام؟
في الحقيقة إن كان يقصد الشيخ أحمد الطيب من كلمة سلفي انها كلمة اطلقت على قوم من الناس أو غير ذلك أو أنه ليس لها وجود في الأصل فهذا الكلام فيه بعد عن الحقيقة، لماذا؟ لأن كلمة السلف في اللغة هي «من تقدم عليك»، ومن يقول بأننا ندعو إلى المنهج السلفي فإنما القصد من وراء ذلك هو دعوة الناس إلى الأمر الأول، وهو ما كان عليه السلف السابقون أو من تقدم علينا، النبي صلى الله عليه وسلم هو سلفنا، وكان إذا زار المقابر يقول للموتى «أنتم سلفنا»، أي أنتم تقدمتم علينا، «ونحن بالأثر» أي سنتبعكم، فالسلفية في اللغة والاصطلاح الشرعي عند أهل السنة والجماعة هي الرجوع بالأمة إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي كلمة سلفية ليست كلمة مخترعة، بل نحن نجد هذه العبارة مبثوثة في كتب أهل العلم، مثلا الإمام اللالكائي رحمه الله تعالى، وكذلك الإمام ابن خزيمة والإمام ابن بطة وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم، كلهم كانوا يوردون هذه الكلمة ويتكلمون عنها، ويريدون بها رجوع الناس إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ورغم أن هذه الكلمة لو تؤخذ نصا من قول الإمام مالك رحمه الله لما قال: «لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها»، لكن كان قصده من هذا الكلام الدعوة للعودة إلى السابقين، والسابق عندنا في اللغة نقول عنه «سلف»، فالعبرة ليس في الألفاظ، والشيخ أحمد الطيب حفظه الله راعى في كلامه بعض الاتجاهات التي ظهرت قبل قرنين أو أكثر من الزمان فأطلق هذه العبارة على طائفة معينة من الناس مخصوصة وليس على الفكر.
الرفق واللين بالمخالفين
في ظل حضوركم لمؤتمر الوسطية البعض يرى أن إثارتكم قضايا الطواف حول القبور وتشنيعكم على مخالفيكم مسلك يخالف الوسطية الداعية إلى السماحة والرفق بالآخرين، فما تعليقكم؟
في الحقيقة التشنيع على الاخرين والتطاول عليهم باللسان او بالقول هو عمل نرفضه في منهج أهل السنة والجماعة، لأن هؤلاء مهما اختلفنا معهم فهم يدورون في فلك الإسلام وهم إخواننا، ونحن قد أمرنا بأن ندعو إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه»، وقال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، فالرفق واللين أمر مطلوب، وبالتالي نحن ننظر إلى إخواننا المسلمين بصفة عامة المدعوين إن كان عندهم بعض المخالفات حتى القبورية منهم بأن نرحمهم وندعوهم برفق ولين حتى يدخلوا فيما نود أن ندخلهم فيه، وهذا هو الأصل الذي يجب أن نتبعه، أما الشدة والقسوة والغلظة في التعامل مع الاخرين فهي منهج غير صحيح البتة.
مظاهر الغلو في التكفير
حدثنا عن مشاركتك في مؤتمر الوسطية الذي أقيم مؤخرا في الكويت، وما هي ورقة العمل التي شاركت بها؟
وجهت لي دعوة للمشاركة في هذا المؤتمر المبارك، وكتبت بحثا بعنوان «الوسطية..والتطرف والغلو»، وبينت فيه وسطية الإسلام بين الديانات التي قبلها، ثم تحدثت عن وسطية أهل السنة والجماعة بين الفرق الأخرى في قضايا التكفير بالذات، وهي القضايا التي طفحت على السطح في الآونة الأخيرة، وكتبت عن الآثار الناجمة عن الغلو في هذا الشأن، والتي منها على سبيل المثال عدم التعليم في المدارس، وإطلاق أحكام التكفير على الحكام، والخروج عليهم، والتفجيرات التي تحصل بين الحين والآخر كلها مترتبة على قضايا التكفير.
أسباب الغلو والتطرف
إذن ما أسباب الغلو أو التطرف المعاصر من وجهة نظرك؟
أولها الجهل بالدين، وقد يكون منها شعور بعض الناس بالظلم، أو شعورهم بحرقة في القلب نتيجة الإساءات الظالمة في الشرق والغرب على الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم مما يدفع بعضهم للتطرف، ومنها أيضا غياب التطبيق الكلي للشريعة في بعض الأماكن الذي قد يدفع البعض أن يتكئ على بعض المصطلحات أو بعض الكلام او تكون له حجة في التطرف لتطبيق الشريعة او المناداة والدعوة لها، وهي حجة باطلة وإن وجد مثل هذا فهو لا يسوغ الخروج وتكفير المجتمع، وكما ذكرت أن التكفير له ضوابط وله شروطا، والتكفير مسألة شرعية لا يجوز للإنسان أن يحكم بعقله فيها أو بهواه.
مصطلح السلفية ظلم
أنتم السلفيون تدعون إلى الوسطية رغم أن البعض يتهمكم بأن التكفيريين قد خرجوا من عباءتكم، وفي الإعلام نسمع ما يسمى بالسلفية الجهادية التي تعيث في الأرض الفساد، فما حقيقة كل ذلك؟
مصطلح السلفية ظلم، ولا ينسب الى السلفية فئة الخوارج أو الخروج التي شوهت صورة السلفية، واستدل على هذا بالخوارج الأولين الذين خرجوا على خليفة المسلمين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فهؤلاء خرجوا من أهل الإيمان ومن المسلمين، وخوارج عصرنا هم تلاميذ للخوارج أولئك، ولم يتهم الإسلام حينها بشيء.
وأصل الخوارج هو ذاك الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم «اعدل يا محمد فهذه قسمة ما أريد بها وجه الله»، فقال صلى الله عليه وسلم «ويحك إن لم أعدل فمن يعدل»، فأشار بعض الصحابة إلى قتله فقال صلى الله عليه وسلم «دعوه، سيخرج من ضأضأ هذا أقوام يقولون من قول خير البرية يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، وقال أيضا في وصفهم «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان»، وهذا الكلام صار حقيقة واضحة، يقتلون من يقول لا إله إلا الله ويتركون أهل الأوثان.
واسمح لي بذكر قصة ذكرها الإمام ابن الجوزي أن الخوارج أقبلوا من البصرة يستعرضون الناس في طريقهم، فإذا هم برجل يسوق بامرأته وهي حامل على حمار له، فدعوه وانتهروه وهددوه وأفزعوه، وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبدالله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: فحدثنا عن أبيك بحديث سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ، لعل الله ينفعنا به. قال: حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ستكون فتنة يموت فيها قلب الرجل فيصبح مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا» وفيه أنهم قالوا له: والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدا، وأخذوه فكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى متم فقتلوها، ومر بهم خنزير لذمي فقتله أحدهم بسيفه، فقال له بعض أصحابه: إن هذا لمن الفساد في الأرض، فطلب صاحب الخنزير حتى أرضاه، فيستبيحون دماء المسلمين ويتنزهون عن قتل الخنازير، إذن فالخوارج خرجوا في عصر الصحابة ولا يعني أن الإسلام هو سبب خروجهم، وكذلك فخوارج اليوم ليست السلفية سبب خروجهم، وإنما عوامل خروجهم عديدة من تتبع خطوات الشيطان.
انتشار النقاب
انتشار النقاب عند النساء واللحى عند الرجال في مصر مؤخرا ألا يعتبر مؤشر نجاح وانتشار السلفية؟
في الحقيقة كما يقال في العالم أجمع هناك صحوة بدأت مع وجود نهضة علمية قوية منذ نصف قرن من الزمان، ولاشك أن الناس كانوا في البداية لديهم ضعف في الاهتمام بالتعاليم الشرعية لكن بجهد العلماء الدعاة وتبيينهم للمنهج تغيرت كثير من المفاهيم بحمد لله لدى الكثيرين وتغيرت بعدها الأعمال، وبالتالي انتشر النقاب كما ذكرت، واطلق كثير من الشباب لحاهم، بل زاد التعبد بصورة لافتة، فقد كنا لا نسمع في الماضي خروج أحدهم لأداء العمرة أو الحج إلا بعدما يصل إلى 60 من عمره، والآن الشباب في عمر 20 وأقل يذهبون إلى العمرة والحج، فالتوجه عموما إلى التمسك بالدين وبالشريعة نتيجة الصحوة التي قام بها العلماء والدعاة والفقهاء، لكن نحن نحذر من الغلو والشطط ومن خروج نابتة من وسطها فيكون عندها لون من ألوان الخروج أو الغلو أو التكفير بطريقة عشوائية.
الرؤية لم تتضح بعد
السلفيون في الكويت دخلوا معترك السياسة، ومن بعدهم في البحرين، فهل سنسمع بدخول أنصار السنة المحمدية معترك السياسة في مصر قريبا؟
العمل السياسي عندنا في مصر له كثير من المخاطر، ونحن ننأى بالجماعة من الدخول في مثل هذا المعترك، لأن الرؤية لم تتضح لنا لغاية الآن من أجل تحقيق جوانب شرعية إيجابية، ولكن نحن نعالج السياسة من منظور شرعي ونساهم في معالجتها قدر الإمكان، وعموما نحن لا نمنع أفرادنا من المشاركة، لكن لا نخوضها تحت مسمى أنصار السنة، ونحن في مصر الدولة ليس لها موقف معاد لنا، بل تسمح لنا بإقامة أنشطتنا الدعوية والخيرية، ومساجدنا مفتوحة وتعمل، وهذا غاية ما نريد، نريد فقط ان نساهم في معرفة المسلم بدينه وتوجيه الناس للخير، ونحن بحمد الله في بلاد إسلامية كسائر البلدان.
هل من كلمة أخيرة تود أن تختم بها اللقاء؟
أشكر الكويت ومن عرفتهم من الأهل والأصدقاء، وأخص بالشكر جمعية إحياء التراث الإسلامي في خدمتها التطوعية، وخلال زياراتي لدول إسلامية كاليمن والسودان وحتى كندا وجدت لإحياء التراث مجالات واسعة في الأعمال الدعوية والخيرية، حتى أني حضرت مؤتمرا برعاية إحياء التراث في كندا وحضره نحو 10 آلاف مسلم، وإنه لأمر لافت أيضا رعاية وزارة الأوقاف ونائب رئيس مجلس الوزراء المباشرة لهذا المؤتمر، مما يدل على حرص الكويت على نشر الإسلام الصحيح والوسطية، خاصة أن الكويت عرفت بخدمتها المتميزة لقضايا المسلمين دون مقابل سوى نصرة الإسلام وأهله، كما أشكر جريدة «الأنباء» التي أتاحت لي الفرصة للحديث حول هذه المواضيع الهامة.
د.عبدالله شاكر في سطور
سألنا ضيفنا في بداية اللقاء عن ترجمة يسيرة عنه فأجاب قائلا: د.عبدالله شاكر محمد الجنيدي من جمهورية مصر العربية، حاصل على درجة الدكتوراة في العقيدة الإسلامية من الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، وعملت فترة من الزمن في عدد من كليات المعلمين في المملكة العربية السعودية، كما كنت رئيسا لقسم الدراسات الإسلامية والقرآنية في كلية المعلمين موفدا، وحاليا أشغل منصب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية في مصر.
أنصار السنة المحمدية
وحول حقيقة جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر وتاريخ نشأتها أوضح د.عبدالله شاكر أن جماعة أنصار السنة المحمدية جماعة سنية سلفية إصلاحية على منهج وعقيدة أهل السنة والجماعة في التلقي والاستدلال، والاعتقاد والاتباع، من خلال الدعوة إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع والخرافات، وإحياء دعوة الإسلام بالقرآن والسنة واتباع سلف الأمة. وأشار الى أن جمعية أنصار السنة أسسها أحد علماء الأزهر الشريف وهو الشيخ محمد حامد الفقهي رحمه الله، والذي درس في الأزهر الشريف وتعلم على أيدي عدد من العلماء، ويذكر عن سبب فكرة إنشاء الجماعة أو الجمعية أنه كان يمر على احدى القرى متجها إلى قريته فقابله رجلا يعمل في أرضه، وقال له: «هل العلوم التي تدرسها علوم تجعلك تعبد الله وحده ولا تتخذ من دونه أندادا؟ فها أنت تدرس في الأزهر وفي جوارك بعض القبور التي يطوف الناس بها ويدعونها من دون الله ويتبركون بها»، فجعل الفقهي يفكر ويتسائل عن هذه الأخطاء؟ ، ففي القرآن بيان على عبادة الله وحده والدعوة اليه والإخلاص له، وانه لا يجوز أن نتوجه بقلوبنا وجوارحنا أو ان ننطق بألستنا بدعاء لغير ربنا تبارك وتعالى، وبدأت من هنا الفكرة والتقى ببعض العلماء وطلب منهم المشورة في هذا الشأن، فكانت البداية في عام 1345هـ الموافق عام 1926م.