يذكر أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي في كتابه «سيرة ومناقب عمر بن الخطاب» عن سعيد بن المسيب، رحمه الله، أن عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه، كوم كومة من بطحاء، وألقى عليها طرف ثوبه ثم استلقى عليها ورفع يديه إلى السماء ثم قال: «اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط»، وفي رواية، فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات. وعن أبي مليكة قال: لما طعن عمر، رضوان الله عليه، جاء كعب وبقي يبكي بالباب ويقول: والله لو أن أمير المؤمنين يقسم على الله أن يؤخره لأخره، فدخل ابن عباس عليه فقال: يا أمير المؤمنين هذا كعب يقول كذا وكذا قال: إذا والله لا أسأله ثم قال ويل لي ولأمي إن لم يغفر الله لي.
في بلد نبيك
وعن حفصة، رضي الله عنها، قالت: سمعت عمر رضوان الله عليه يقول: «اللهم قتلا في سبيلك ووفاة في بلد نبيك، قلت: وأنى يكون ذلك قال: يأتي الله به إذا شاء».
ويقول مجدي فتحي السيد في كتابه «الصحابة والصالحون على فراش الموت» ان أبا لؤلؤة المجوسي، اصطنع خنجرا له رأسان وشحذه، وسمه، ثم أتى به الهرمزان، فقال: كيف ترى هذا؟ قال: أرى أنك لا تضرب به أحدا إلا قتلته. قال: فتحين أبو لؤلؤة عمر، فجاءه في صلاة الغداة حتى قام وراء عمر، وكان عمر إذا أقيمت الصلاة يتكلم ويقول: أقيموا صفوفكم، فقال كما كان يقول: فلما كبر، وجأة «ضربه» أبو لؤلؤة وجأة في كتفه، ووجأة في خاصرته فسقط عمر رضي الله عنه، وطعن بخنجره ثلاثة عشر رجلا منهم فهلك منهم سبعة، وأفرق (برأ) منهم ستة، وحمل عمر فذهب به إلى منزله، وهاج الناس حتى كادت تطلع الشمس، فنادى عبدالرحمن بن عوف، فصلى بهم بأقصر سورتين في القرآن.
وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ فقائل يقول: لا بأس. وقائل يقول: أخاف عليه. فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جرحه فعرفوا أنه ميت.
النهي عن العويل
ويروى أن الفاروق في لحظاته الأخيرة كان ينهى كل من دخل إليه عن الندب، أو العويل ونحوهما. يقول المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه إنه دخل على عمر رضي الله عنه فلما خرج من عنده دخلت عليه حفصة، فقالت: يا أمير المؤمنين.. ويا صاحب رسول الله.. ويا خليفة رسول الله.
فقال عمر رضي الله عنه: أقعدوني، فلا صبر لي على ما أسمع، ثم قال: إني أعزم عليك في الحق أن لا تندبيني بعد مجلسك هذا، فأما عيناك فلن أملكهما، إنه ليس من ميت يندبه أهله إلا والملائكة تمقته.
وكان كلما أثنى عليه أحد بكى، وخاف من عذاب الله تعالى، وهذا من تمام فضله رضي الله عنه وفي هذا يقول ابن عباس رضي الله عنه: لما طعن عمر دخلت عليه فقلت له: أبشر يا أمير المؤمنين، فإن الله قد مصر بك الأمصار، ودفع بك النفاق، وأفشى بك الرزق. قال: أفي الإمارة تثني علي يا ابن عباس؟ فقلت: وفي غيرها قال: والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها، لا أجر ولا وزر، فلا لي ولا علي.
وأوصى الفاروق ابنه فقال: يا عبدالله بن عمر انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه سبعة وثمانين ألفا أو نحوه. قال: إن وفاه مال آل عمر فأده من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب. فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تتعداهم إلى غيرهم، انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل لها: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا، قل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فمضى، فسلم واستأذن، ثم دخل عليها فوجدها جالسة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر السلام، يقول لك: يستأذن أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي.
فلما أقبل قيل: هذا عبدالله بن عمر قد جاء. قال: ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت. قال: الحمد لله ما كان شيء أهم إلي من ذلك فإذا أنا قبضت فاحملوني، ثم سلم وقل: يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني فردوني على مقابر المسلمين.
كما أن الفاروق أوصى في اللحظات الأخيرة من حياته بأن تكون الخلافة شورى في ستة، في عثمان، وعلي، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص. وجعل عبدالله بن عمر معهم مشيرا، وليس منهم، أجلهم ثلاثا، وأمر صهيبا بأن يصلي بالناس.
وقال عمر أيضا وهو في النزع الأخير، لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به اليوم من هول المطلع. وعن عثمان بن عفان قال: أنا آخركم عهدا بعمر، دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبدالله، فقال له: ضع خدي بالأرض. قال: فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال: ضع خدي بالأرض لا أم لك، في الثانية، أو الثالثة.
وسمعته يقول: ويلي وويل أمي إن لم تغفر لي، حتى فاضت روحه.